نزل القرآن بلغتهم ولذلك لم يستفت واحد من المؤمنين عن معناها ولا خاف على نفسه توهم التشبيه ولا احتاج إلى شرح وتنبيه وكذلك الكفار لو كان عندهم لا تعقل إلا في الجارحة لتعلقوا بها في دعوى التناقض واحتجوا بها على الرسول صلى الله عليه وسلم ولقالوا له زعمت أن الله تعالى ليس كمثله شيء ثم تخبر أن له يدا كأيدينا وعينا كأعينا ولما لم ينقل ذلك عن مؤمن ولا كافر علم أن الأمر كان فيها عندهم جليا لا خفيا وأنها صفة سميت الجارحة بها مجازا ثم استمر المجاز فيها حتى نسيت الحقيقة ورب مجاز كثر واستعمل حتى نسي أصله وتركت حقيقته والذي يلوح في معنى هذه الصفة أنها قريب من معنى القدرة إلا أنها أخص منها معنى والقدرة أعم كالمحبة مع الإرادة والمشيئة وكل شيء أحبه الله فقد أراده وليس كل شيء أراده أحبه وكذلك كل شيء حادث فهو واقع بالقدرة وليس كل واقع بالقدرة واقعا باليد فاليد أخص من معنى القدرة ولذلك كان فيها تشريف لآدم قلت: أما قوله ليس كل شيء أراده فقد أحبه فهذا صحيح وهو أحد قولي الأشعري وقول المحققين من أصحابه وهذا الذي يدل عليه الكتاب والسنة والمعقول كما هو مقرر في موضعه وأما قوله: كل شيء أحبه فقد أراده فإن كان المراد أنه أراده بمعنى رضيه وأراده دينا فحق وإن كان المراد أنه أراده كونا فغير لازم فإنه سبحانه يحب طاعة عباده كلهم ولم يردها ويحب التوبة من كل عاص ولم يرد ذلك كله تكوينا إذ لو أراده لوقع فالمحبة والإرادة غير متلازمين فإنه يريد كون ما لا يحبه ويحب ويرضى بأشياء لا يريد تكوينها ولو أرادها لوقعت وهذا مقرر في غير هذا الموضع قال ومن فوائد هذه المسألة أن نسأل كيف وردت الآية الأولى ب على والآية الثانية بالياء الجواب لا بد أن نسأل عن المعنى الذي لأجله قال تعالى: {وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي} بحرف على وقال تعالى: {تَجْرِي بِأَعْيُنِنَا} و {وَاصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنَا} بحرف الباء وما الفرق إن الفرق أن الآية الأولى وردت في إظهار أمر كان خفيا وإبداء ما كان مكتوما فإن الأطفال إذ ذاك كانوا يغذون ويصنعون سرا فلما أراد أن يصنع موسى عليه السلام ويغذى