تَكُونُ لِوَرَثَتِهِ؛ لِأَنَّ الْمَوْلَى قَدْ أَقَرَّ بِحُرِّيَّتِهِ فَلَا يَسْتَحِقُّ شَيْئًا مِنْ قِيمَتِهِ، فَإِنْ قُطِعَتْ يَدُ أَحَدِهِمَا لَا يُعْتَقُ الْآخَرُ سَوَاءٌ كَانَ الْقَطْعُ مِنْ الْمَوْلَى أَوْ مِنْ أَجْنَبِيٍّ؛ لِأَنَّ الْقَطْعَ لَا يَقْطَعُ خِيَارَ الْمَوْلَى لِبَقَاءِ مَحَلِّ الْخِيَارِ بِخِلَافِ الْقَتْلِ فَإِنْ قَطَعَ أَجْنَبِيٌّ يَدَ أَحَدِهِمَا ثُمَّ بَيَّنَ الْمَوْلَى الْعِتْقَ فَإِنْ بَيَّنَهُ فِي غَيْرِ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ فَالْأَرْشُ لِلْمَوْلَى بِلَا شَكٍّ، وَإِنْ بَيَّنَهُ فِي الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ ذَكَرَ الْقُدُورِيُّ فِي شَرْحِهِ أَنَّ الْأَرْشَ لِلْمَوْلَى أَيْضًا وَلَا شَيْءَ لِلْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ مِنْ الْأَرْشِ.
وَذَكَرَ الْقَاضِي فِي شَرْحِهِ مُخْتَصَرَ الطَّحَاوِيِّ إنَّ الْأَرْشَ يَكُونُ لِلْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ، وَهَكَذَا ذَكَرَ الْقَاضِي فِيمَا إذَا قَطَعَ الْمَوْلَى، ثُمَّ بَيَّنَ الْعِتْقَ أَنَّهُ إنْ بَيَّنَهُ فِي الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ يَجِبُ عَلَيْهِ أَرْشُ الْأَحْرَارِ وَيَكُونُ لِلْعَبْدِ، وَعَلَّلَ بِأَنَّهُ أَقَرَّ عَلَى نَفْسِهِ بِأَنَّهُ جَنَى عَلَى حُرٍّ، وَإِنْ بَيَّنَهُ فِي غَيْرِ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ فَلَا شَيْءَ عَلَى الْمَوْلَى.
وَلَمْ يَذْكُرْ الْقُدُورِيُّ هَذَا الْفَصْلَ وَإِنَّمَا ذَكَرَ فَصْلَ الْأَجْنَبِيِّ، وَمَا ذَكَرَهُ الْقَاضِي قِيَاسُ مَذْهَبِ التَّنْجِيزِ؛ لِأَنَّ الْبَيَانَ يَكُونُ تَعْيِينًا لِمَنْ وَقَعَ عَلَيْهِ الْعِتْقُ فَيَتَبَيَّنُ أَنَّهُ كَانَ حُرًّا وَقْتَ وُرُودِ الْجِنَايَةِ عَلَيْهِ؛ فَيُوجِبُ أَرْشَ الْأَحْرَارِ عَلَى الْمَوْلَى لِلْعَبْدِ، وَمَا ذَكَرَهُ الْقُدُورِيُّ قِيَاسُ مَذْهَبِ التَّعْلِيقِ؛ لِأَنَّ الْعِتْقَ ثَبَتَ وَقْتَ الِاخْتِيَارِ مَقْصُورًا عَلَيْهِ فَلَا يَظْهَرُ؛ لِأَنَّ الْجِنَايَةَ صَادَفَتْ يَدَ حُرٍّ، وَاَللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ أَعْلَمُ.
وَلَوْ قَالَ: عَبْدِي حُرٌّ، وَلَيْسَ لَهُ إلَّا عَبْدٌ وَاحِدٌ عَتَقَ؛ لِأَنَّهُ تَعَيَّنَ بِالْإِيجَابِ فَانْصَرَفَ إلَيْهِ، فَإِنْ قَالَ: لِي عَبْدٌ آخَرُ عَنَيْتُهُ، لَمْ يُصَدَّقْ فِي الْقَضَاءِ؛ لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يُعْرَفْ لَهُ عَبْدٌ آخَرُ انْصَرَفَ إيجَابُهُ إلَى هَذَا الْعَبْدِ ظَاهِرًا، فَلَا يُصَدَّقُ فِي الْعُدُولِ عَنْ الظَّاهِرِ إلَّا بِبَيِّنَةٍ تَقُومُ عَلَى أَنَّ لَهُ عَبْدًا آخَرَ، وَيُصَدَّقُ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ؛ لِأَنَّهُ نَوَى مَا يَحْتَمِلُهُ لَفْظُهُ.
وَلَوْ قَالَ: أَحَدُ عَبِيدِي حُرٌّ، أَوْ أَحَدُ عَبْدَيَّ حُرٌّ وَلَيْسَ لَهُ إلَّا عَبْدٌ وَاحِدٌ عَتَقَ؛ لِأَنَّ لَفْظَةَ " أَحَدُ " لَا تَقْتَضِي آحَادًا، أَلَا تَرَى أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى مَوْصُوفٌ بِأَنَّهُ أَحَدٌ قَالَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} [الإخلاص: 1] وَلَا مِثْلَ لَهُ وَلَا شَرِيكَ، وَلَا أَحَدَ غَيْرُهُ فِي الْأَزَلِ.
وَرَوَى بِشْرٌ عَنْ أَبِي يُوسُفَ فِيمَنْ كَانَ لَهُ ثَلَاثَةُ أَعْبُدٍ فَقَالَ: أَحَدُ عَبِيدِي حُرٌّ، أَحَدُ عَبِيدِي حُرٌّ، أَحَدُ عَبِيدِي حُرٌّ قَالَ ذَلِكَ ثَلَاثًا عَتَقُوا؛ لِأَنَّ أَحَدَهُمْ عَتَقَ بِاللَّفْظِ الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّهُ أَحَدُ عَبِيدِهِ وَعَتَقَ الْآخَرُ بِاللَّفْظِ الثَّانِي لِهَذَا الْمَعْنَى، وَقَدْ بَقِيَ لَهُ عَبْدَانِ فَيُعْتَقُ أَحَدَهُمَا، وَعَتَقَ الثَّالِثُ بِاللَّفْظِ الثَّالِثِ وَإِنْ لَمْ يَبْقَ إلَّا عَبْدٌ وَاحِدٌ، كَمَا لَوْ قَالَ ابْتِدَاءً: أَحَدُ عَبِيدِي حُرٌّ، وَلَيْسَ لَهُ إلَّا عَبْدٌ وَاحِدٌ، وَلَوْ قَالَ: أَحَدُكُمْ حُرٌّ، أَحَدُكُمْ حُرٌّ أَحَدُكُمْ حُرٌّ لَمْ يُعْتَقْ إلَّا وَاحِدٌ؛ لِأَنَّ أَحَدَهُمْ عَتَقَ بِاللَّفْظِ الْأَوَّلِ، ثُمَّ بِاللَّفْظِ الثَّانِي جَمَعَ بَيْنَ حُرٍّ وَعَبْدَيْنِ فَقَالَ: أَحَدُكُمْ حُرٌّ، لَمْ يَصِحَّ، ثُمَّ بِاللَّفْظِ الثَّالِثِ جَمَعَ بَيْنِ عَبْدٍ وَحُرَّيْنِ فَلَمْ يَصِحَّ ذَلِكَ أَيْضًا؛ لِأَنَّهُ يُحْمَلُ عَلَى الْإِخْبَارِ وَهُوَ صَادِقٌ فِيمَا أَخْبَرَ.
وَلَوْ قَالَ لِعَبْدِهِ: أَنْتَ حُرٌّ أَوْ مُدَبَّرٌ، يُؤْمَرُ بِالْبَيَانِ فَإِنْ قَالَ: عَنَيْتُ بِهِ الْحُرِّيَّةَ، عَتَقَ، وَإِنْ قَالَ: عَنَيْتُ بِهِ التَّدْبِيرَ، صَارَ مُدَبَّرًا، وَهَذَا ظَاهِرٌ فَإِنْ مَاتَ قَبْلَ الْبَيَانِ وَالْقَوْلُ فِي الصِّحَّةِ، عَتَقَ نِصْفُهُ بِالْإِعْتَاقِ الْبَاتِّ وَنِصْفُهُ بِالتَّدْبِيرِ لِشُيُوعِ الْعِتْقَيْنِ فِيهِ، إلَّا أَنَّ نِصْفَهُ يُعْتَقُ مَجَّانًا مِنْ جَمِيعِ الْمَالِ؛ لِأَنَّهُ يُعْتَقُ بِالْإِعْتَاقِ الْبَاتِّ فِي حَالَةِ الصِّحَّةِ، وَنِصْفُهُ يُعْتَقُ مِنْ الثُّلُثِ؛ لِأَنَّهُ يُعْتَقُ بِالتَّدْبِيرِ، وَالْعِتْقُ بِالتَّدْبِيرِ يَثْبُتُ مِنْ طَرِيقِ الْوَصِيَّةِ فَيُعْتَبَرُ مِنْ الثُّلُثِ سَوَاءٌ كَانَ التَّدْبِيرُ فِي الْمَرَضِ أَوْ فِي الصِّحَّةِ، إنْ خَرَجَ مِنْ الثُّلُثِ عَتَقَ كُلُّ النِّصْفِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ غَيْرُهُ عَتَقَ ثُلُثُ النِّصْفِ مَجَّانًا؛ لِأَنَّ هَذَا الْقَدْرَ لَمْ يَتَعَلَّقْ بِهِ حَقُّ الْوَرَثَةِ، وَيَسْعَى فِي ثُلُثَيْ النِّصْفِ وَهُوَ ثُلُثُ الْكُلِّ.
وَلَوْ كَانَا عَبْدَيْنِ فَقَالَ: أَحَدُكُمَا حُرٌّ أَوْ مُدَبَّرٌ يُؤْمَرُ بِالْبَيَانِ فَإِنْ مَاتَ قَبْلَ الْبَيَانِ وَلَا مَالَ لَهُ غَيْرُهُمَا وَالْقَوْلُ فِي الصِّحَّةِ عَتَقَ نِصْفُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لِلشُّيُوعِ إلَّا أَنَّ الرُّبْعَ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يُعْتَقُ مَجَّانًا مِنْ جَمِيعِ الْمَالِ لِحُصُولِهِ بِالْإِعْتَاقِ الْبَاتِّ فِي حَالَةِ الصِّحَّةِ، وَالرُّبْعُ يُعْتَقُ مِنْ أُصُولِهِ بِالتَّدْبِيرِ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِي نِصْفِ قِيمَتِهِ عَلَى كُلِّ حَالٍ.
وَلَوْ قَالَ: أَنْتُمَا حُرَّانِ أَوْ مُدَبَّرَانِ وَالْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا، عَتَقَ نِصْفُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِالْإِعْتَاقِ الْبَاتِّ وَنِصْفُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِالتَّدْبِيرِ، وَهَذَا كُلُّهُ إذَا كَانَ الْقَوْلُ فِي الصِّحَّةِ فَإِنْ كَانَ فِي الْمَرَضِ يُعْتَبَرُ ذَلِكَ مِنْ الثُّلُثِ.
وَلَوْ كَانَ لِرَجُلٍ ثَلَاثَةُ أَعْبُدٍ فَقَالَ: هَذَا حُرٌّ، أَوْ هَذَا، وَهَذَا عَتَقَ الثَّالِثُ وَيُؤْمَرُ بِالْبَيَانِ فِي الْأَوَّلَيْنِ، وَلَوْ قَالَ: هَذَا حُرٌّ، وَهَذَا، أَوْ هَذَا، عَتَقَ الْأَوَّلُ وَيُؤْمَرُ بِالْبَيَانِ فِي الْآخَرَيْنِ.
وَكَذَلِكَ هَذَا فِي الطَّلَاقِ وَوَجْهُ الْفَرْقِ أَنَّ كَلِمَةَ " أَوْ " فِي الْفَصْلِ الْأَوَّلِ دَخَلَتْ بَيْنَ الْأَوَّلِ وَالثَّانِي؛ فَأَوْجَبَتْ حُرِّيَّةَ أَحَدِهِمَا غَيْرُ عَيْنٍ ثُمَّ الثَّالِثُ عُطِفَ عَلَى الْحُرِّ مِنْهُمَا أَيَّهُمَا كَانَ فَصَارَ كَأَنَّهُ قَالَ: أَحَدُكُمَا حُرٌّ، وَهَذَا.
وَفِي الْفَصْلِ الثَّانِي أَوْجَبَ الْحُرِّيَّةَ لِلْأَوَّلِ عَيْنًا، ثُمَّ أَدْخَلَ كَلِمَةَ " أَوْ " فِي الثَّانِي وَالثَّالِثِ فَأَوْجَبَتْ حُرِّيَّةَ أَحَدِهِمَا غَيْرِ عَيْنٍ فَعَتَقَ الْأَوَّلُ، وَيُؤْمَرُ بِالْبَيَانِ فِي الثَّانِي وَالثَّالِثِ، وَهَذَا بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ: إنْ كَلَّمْتُ هَذَا