أَوْ هَذَا وَهَذَا فَعَبْدِي حُرٌّ، أَنَّهُ إنْ كَلَّمَ الْأَوَّلَ وَحْدَهُ حَنِثَ، وَإِنْ كَلَّمَ الثَّانِيَ أَوْ الثَّالِثَ وَحْدَهُ لَا يَحْنَثُ مَا لَمْ يُكَلِّمْهُمَا جَمِيعًا.

وَلَوْ قَالَ: إنْ كَلَّمْتُ هَذَا وَهَذَا، أَوْ هَذَا فَعَبْدِي حُرٌّ.

فَإِنْ كَلَّمَ الثَّالِثَ وَحْدَهُ حَنِثَ، وَإِنْ كَلَّمَ الْأَوَّلَ أَوْ الثَّانِيَ وَحْدَهُ لَا يَحْنَثُ مَا لَمْ يُكَلِّمْهُمَا جَمِيعًا؛ لِأَنَّ فِي الْفَصْلِ الْأَوَّلِ جَعَلَ شَرْطَ الْحِنْثِ كَلَامَ الْأَوَّلِ وَحْدَهُ أَوْ كَلَامَ الثَّانِي وَالثَّالِثِ جَمِيعًا؛ لِأَنَّهُ جَعَلَ الثَّالِثَ مَعْطُوفًا عَلَى الثَّانِي بِحَرْفِ الْعَطْفِ فَقَدْ أَدْخَلَ كَلِمَةَ " أَوْ " بَيْنَ الْأَوَّلِ وَحْدَهُ وَبَيْنَ الثَّانِي وَالثَّالِثِ جَمِيعًا.

وَأَمَّا فِي الْفَصْلِ الثَّانِي فَقَدْ جَعَلَ شَرْطَ الْحِنْثِ كَلَامَ الْأَوَّلِ وَالثَّانِي جَمِيعًا أَوْ كَلَامَ الثَّالِثِ وَحْدَهُ؛ لِأَنَّهُ عَطَفَ الثَّانِي عَلَى الْأَوَّلِ بِحَرْفِ الْعَطْفِ وَأَدْخَلَ كَلِمَةَ " أَوْ " بَيْنَ الْأَوَّلِ وَالثَّانِي جَمِيعًا، وَالثَّالِثُ وَحْدَهُ، وَاَللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ أَعْلَمُ.

وَلَوْ اخْتَلَطَ حُرٌّ بِعَبْدٍ كَرَجُلٍ لَهُ عَبْدٌ فَاخْتَلَطَ بِحُرٍّ، ثُمَّ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَقُولُ: أَنَا حُرٌّ، وَالْمَوْلَى يَقُولُ: أَحَدُكُمَا عَبْدِي، كَانَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَنْ يُحَلِّفَهُ بِاَللَّهِ تَعَالَى مَا يَعْلَمُ أَنَّهُ حُرٌّ فَإِنْ حَلِف لِأَحَدِهِمَا وَنَكَلَ لِلْآخَرِ، فَاَلَّذِي نَكَلَ لَهُ حُرٌّ دُونَ الْآخَرِ، وَإِنْ نَكَلَ لَهُمَا فَهُمَا حُرَّانِ وَإِنْ حَلِفَ لَهُمَا فَقَدْ اخْتَلَطَ الْأَمْرُ، فَالْقَاضِي يَقْضِي بِالِاخْتِلَاطِ وَيُعْتِقُ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا نِصْفَهُ بِغَيْرِ شَيْءٍ وَنِصْفَهُ بِنِصْفِ الْقِيمَةِ، وَكَذَا لَوْ كَانُوا ثَلَاثَةً يُعْتَقُ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ ثُلُثُهُ وَيَسْعَى فِي ثُلُثَيْ قِيمَتِهِ، كَذَا ذَكَرَهُ الْكَرْخِيُّ، وَكَذَلِكَ لَوْ كَانُوا عَشْرَةٌ فَهُوَ عَلَى هَذَا الِاعْتِبَارِ، وَهَذَا كَرَجُلٍ أَعْتَقَ أَحَدَ عَبْدَيْهِ بِعَيْنِهِ ثُمَّ نَسِيَهُ فَإِنْ بَيَّنَ فَهُوَ عَلَى مَا بَيَّنَ، فَإِنْ لَمْ يُبَيِّنْ وَقَالَ: لَا أَدْرِي أَيُّهُمَا حُرٌّ لَا يُجْبَرُ عَلَى الْبَيَانِ وَلَكِنْ يُعْتَقُ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا نِصْفُهُ مَجَّانًا وَنِصْفُهُ بِنِصْفِ الْقِيمَةِ، كَذَلِكَ هَهُنَا.

وَأَمَّا النَّوْعُ الثَّانِي وَهُوَ مَا يَتَعَلَّقُ بِهِ بَعْدَ مَوْتِ الْمَوْلَى.

فَهُوَ أَنَّ الْمَوْلَى إذَا قَالَ لِعَبْدَيْهِ: أَحَدُكُمَا حُرٌّ لَا يَنْوِي أَحَدَهُمَا بِعَيْنِهِ ثُمَّ مَاتَ قَبْلَ الِاخْتِيَارِ عَتَقَ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا نِصْفُهُ؛ لِأَنَّهُ وَقَعَ الْيَأْسُ عَنْ الْبَيَانِ وَالِاخْتِيَارِ، إذْ لَا يُمْكِنُهُ ذَلِكَ بِنَفْسِهِ وَهَذَا الْخِيَارُ لَا يُوَرَّث حَتَّى يَقُومَ الْوَارِثُ فِيهِ مَقَامَهُ فَيَشِيعُ الْعِتْقُ فِيهِمَا، إذْ لَيْسَ أَحَدُهُمَا بِأَوْلَى مِنْ الْآخَرِ فَيُعْتَقُ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا نِصْفُهُ مَجَّانًا وَيَسْعَى كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِي نِصْفِ قِيمَتِهِ، وَفَصْلُ الشُّيُوعِ دَلِيلُ نُزُولِ الْعِتْقِ فِي أَحَدِهِمَا، إذْ الثَّابِتُ تَشْيِيعٌ وَالْمَوْتُ لَيْسَ بِإِعْتَاقٍ، عُلِمَ أَنَّ الْكَلَامَ السَّابِقَ وَقَعَ تَنْجِيزًا لِلْعِتْقِ فِي أَحَدِهِمَا ثُمَّ فَرَّقَ بَيْنَ هَذَا الْخِيَارِ وَبَيْنَ خِيَارِ التَّعْيِينِ فِي بَابِ الْبَيْعِ؛ لِأَنَّ الْوَارِثَ هُنَاكَ يَقُومُ مَقَامَ الْمَوْتِ فِي الْبَيَانِ، وَهَهُنَا لَا.

وَوَجْهُ الْفَرْقِ أَنَّ هُنَاكَ مَلَكَ الْمُشْتَرِي أَحَدَ الْعَبْدَيْنِ مَجْهُولًا، إذْ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَحِلٌّ لِلْمِلْكِ، فَإِذَا مَاتَ فَالْوَارِثُ وَرِثَ مِنْهُ عَبْدًا مَجْهُولًا، فَمَتَى جَرَى الْإِرْثُ ثَبَتَ وِلَايَةُ التَّعْيِينِ، أَمَّا هَهُنَا فَأَحَدُهُمَا حُرٌّ أَوْ اسْتَحَقَّ الْحُرِّيَّةَ وَذَلِكَ يَمْنَعُ جَرَيَانَ الْإِرْثِ فِي أَحَدِهِمَا فَيَمْنَعُ وِلَايَةَ التَّعْيِينِ، هَذَا إذَا كَانَ الْمُزَاحِمُ لَهُ مُحْتَمِلًا لِلْعِتْقِ وَهُوَ مِمَّنْ يَنْفُذُ إعْتَاقُهُ فِيهِ، فَأَمَّا إذَا كَانَ مِمَّنْ لَا يَنْفُذُ إعْتَاقُهُ فِيهِ بِأَنْ جَمَعَ بَيْنَ عَبْدِهِ وَعَبْدِ غَيْرِهِ فَقَالَ: أَحَدُكُمَا حُرٌّ لَا يُعْتَقُ عَبْدُهُ إلَّا بِالنِّيَّةِ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ أَحَدُكُمَا يَحْتَمِلُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا؛ لِأَنَّ عَبْدَ الْغَيْرِ قَابِلٌ لِلْعِتْقِ فِي نَفْسِهِ وَمُحْتَمِلٌ لِنُفُوذِ الْإِعْتَاقِ فِيهِ فِي الْجُمْلَةِ فَلَا يَنْصَرِفُ إلَى عَبْدِ نَفْسِهِ إلَّا بِالنِّيَّةِ، وَإِنْ كَانَ الْمُزَاحِمُ مِمَّنْ لَا يَحْتَمِلُ الْعِتْقَ أَصْلًا، كَمَا إذَا جَمَعَ بَيْنَ عَبْدِهِ وَبَيْنَ بَهِيمَةٍ أَوْ حَائِطٍ أَوْ حَجَرٍ فَقَالَ: أَحَدُكُمَا حُرٌّ، أَوْ قَالَ: عَبْدِي حُرٌّ، أَوْ هَذَا وَهَذَا فَإِنَّ عَبْدَهُ يُعْتَقُ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ نَوَى أَوْ لَمْ يَنْوِ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ: لَا يُعْتَقُ إلَّا بِالنِّيَّةِ، وَكَذَا إذَا جَمَعَ بَيْنَ عَبْدِهِ وَبَيْنَ مَيِّتٍ وَقَدْ ذَكَرْنَا الْكَلَامَ فِي هَذِهِ الْجُمْلَةِ فِي كِتَابِ الطَّلَاقِ وَعَلَى هَذَا إذَا جَمَعَ بَيْنَ عَبْدِهِ وَبَيْنَ حُرٍّ فَقَالَ: أَحَدُكُمَا حُرٌّ، أَنَّهُ لَا يُعْتَقُ عَبْدُهُ إلَّا بِالنِّيَّةِ؛ لِأَنَّ صِيغَتَهُ صِيغَةُ الْخَبَرِ فَيُحْمَلُ عَلَى الْإِخْبَارِ وَهُوَ صَادِقٌ فِي إخْبَارِهِ مَعَ مَا فِي الْحَمْلِ عَلَيْهِ تَصْحِيحُ تَصَرُّفِهِ وَأَنَّهُ أَصْلٌ عِنْدَ الْإِمْكَانِ فَيُحْمَلُ عَلَيْهِ، إلَّا إذَا نَوَى فَيُحْمَلُ عَلَى الْإِنْشَاءِ بِقَرِينَةِ النِّيَّةِ، وَالْحُرُّ لَا يَحْتَمِلُ إنْشَاءَ الْحُرِّيَّةِ فَيَنْصَرِفُ إلَى الْعَبْدِ.

وَلَوْ جَمَعَ بَيْنَ عَبْدِهِ وَمُدَبَّرِهِ فَقَالَ: أَحَدُكُمَا حُرٌّ لَا يَصِيرُ عَبْدُهُ مُدَبَّرًا إلَّا بِالنِّيَّةِ وَيُحْمَلُ عَلَى الْإِخْبَارِ كَمَا فِي الْجَمْعِ بَيْنَ الْحُرِّ وَالْعَبْدِ.

وَلَوْ جَمَعَ بَيْنَ عَبْدَيْهِ وَمُدَبَّرِهِ فَقَالَ: اثْنَانِ مِنْكُمْ مُدَبَّرَانِ صَارَ أَحَدُ عَبْدَيْهِ مُدَبَّرًا وَيُؤْمَرُ بِالْبَيَانِ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ: اثْنَانِ مِنْكُمْ، يُصْرَفُ أَحَدُهُمَا إلَى الْمُدَبَّرِ وَيَكُونُ إخْبَارًا عَنْ تَدْبِيرِهِ، إذْ الصِّيغَةُ لِلْخَبَرِ فِي الْوَضْعِ وَهُوَ صَادِقٌ فِي هَذَا الْإِخْبَارِ، وَالْآخَرُ يُصْرَفُ إلَى أَحَدِ الْعَبْدَيْنِ فَيَكُونُ إنْشَاءً لِلتَّدْبِيرِ فِي أَحَدِهِمَا إذْ لَا يُمْكِنُ حَمْلُهُ عَلَى الْخَبَرِ؛ لِأَنَّهُ يَكُونُ كَذِبًا فَيُحْمَلُ عَلَى الْإِنْشَاءِ كَأَنَّهُ قَالَ لِلْمُدَبَّرِ: هَذَا مُدَبَّرٌ، وَأَحَدُ الْعَبْدَيْنِ مُدَبَّرٌ؛ فَيُؤْمَرُ بِالْبَيَانِ كَمَا لَوْ قَالَ ذَلِكَ ابْتِدَاءً لِعَبْدَيْهِ: أَحَدُكُمَا مُدَبَّرٌ، فَإِنْ مَاتَ الْمَوْلَى قَبْلَ الْبَيَانِ انْقَسَمَ تَدْبِيرُ رَقَبَةٍ بَيْنَ الْعَبْدَيْنِ نِصْفَيْنِ، فَيُعْتَقُ الْمُدَبَّرُ الْمَعْرُوفُ مِنْ الثُّلُثِ وَيُعْتَقُ نِصْفُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْعَبْدَيْنِ مِنْ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015