كَمَا لَوْ نَجَزَ الْعِتْقُ فِي أَحَدِهِمَا.
وَأَمَّا عَلَى مَذْهَبِ التَّعْلِيقِ؛ فَلِأَنَّ اخْتِيَارَ الْعِتْقِ الْمُبْهَمِ فِيهِ يُبْطِلُ التَّعْلِيقَ بِالشَّرْطِ فَصَارَ كَمَا لَوْ دَبَّرَ أَحَدَهُمَا، وَذَكَرَ ابْنُ سِمَاعَةَ عَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ إذَا قَالَ لِأَحَدِهِمَا: إنْ دَخَلْتَ الدَّارَ فَأَنْتَ حُرٌّ، ثُمَّ قَالَ: أَحَدُكُمَا حُرٌّ، ثُمَّ دَخَلَ الَّذِي عَلَّقَ عِتْقَهُ بِدُخُولِ الدَّارِ حَتَّى عَتَقَ، الْآخَرُ؛ لِأَنَّ مِلْكَ الْمَوْلَى زَالَ عَنْ أَحَدِهِمَا لِسَبَبٍ مِنْ جِهَتِهِ فَصَارَ كَمَا لَوْ أَعْتَقَهُ ابْتِدَاءً أَوْ بَاعَهُ.
وَلَوْ كَانَ الْمَمْلُوكَانِ أُخْتَيْنِ فَوَطِئَ الْمَوْلَى إحْدَاهُمَا فَإِنْ عَلِقَتْ مِنْهُ، عَتَقَتْ الْأُخْرَى بِالْإِجْمَاعِ؛ لِأَنَّهَا صَارَتْ أُمَّ وَلَدٍ لَهُ، وَقَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ الِاسْتِيلَادَ يَكُونُ مُعِينًا لِلْعِتْقِ فِي الْأُخْرَى، وَإِنْ لَمْ تَعْلَقْ لَا تُعْتَقُ الْأُخْرَى فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ، وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ تُعْتَقُ، وَرَوَى ابْنُ سِمَاعَةَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ قَالَ: وَكَذَلِكَ لَوْ قَبَّلَ إحْدَاهُمَا بِشَهْوَةٍ أَوْ لَمَسَ بِشَهْوَةٍ أَوْ نَظَرَ إلَى فَرْجِهَا عَنْ شَهْوَةٍ وَلَوْ اسْتَخْدَمَ إحْدَاهُمَا لَا تُعْتَقُ الْأُخْرَى فِي قَوْلِهِمْ جَمِيعًا؛ لِأَنَّ الِاسْتِخْدَامَ تَصَرُّفٌ لَا يَخْتَصُّ بِالْمِلْكِ إذْ قَدْ يَسْتَخْدِمُ الْحُرَّةَ.
(وَجْهُ) قَوْلِهِمَا أَنَّ الظَّاهِرَ مِنْ حَالِ الْعَاقِلِ الْمُتَدَيِّنِ الْإِقْدَامُ عَلَى الْوَطْءِ الْحَلَالِ لَا الْحَرَامِ، وَحِلُّ الْوَطْءِ لَا يَثْبُتُ إلَّا بِأَحَدِ نَوْعَيْ الْمِلْكِ وَلَمْ يُوجَدْ هَهُنَا مِلْكُ النِّكَاحِ؛ فَتَعَيَّنَ مِلْكُ الْيَمِينِ لِلْحِلِّ، وَإِذَا تَعَيَّنَتْ الْمَوْطُوءَةُ لِلْمِلْكِ تَعَيَّنَتْ الْأُخْرَى لِلْعِتْقِ؛ وَلِأَنَّ الْوَطْءَ لَوْ لَمْ يُجْعَلْ بَيَانًا فَمِنْ الْجَائِزِ أَنْ يَقَعَ اخْتِيَارُهُ عَلَى الْمَوْطُوءَةِ؛ فَيَتَبَيَّنُ أَنَّهُ وَطِئَ حُرَّةً مِنْ غَيْرِ نِكَاحٍ فَيُجْعَلُ الْوَطْءُ بَيَانًا ضَرُورَةَ التَّحَرُّجِ عَنْ الْحَرَامِ حَالًا وَمَآلًا، حَتَّى لَوْ قَالَ: إحْدَاكُمَا مُدَبَّرَةٌ، ثُمَّ وَطِئَ إحْدَاهُمَا، لَا يَكُونُ بَيَانًا بِالْإِجْمَاعِ؛ لِأَنَّ التَّدْبِيرَ لَا يُزِيلُ مِلْكَ الِاسْتِمْتَاعِ فَلَا حَاجَةَ إلَى التَّحَرُّزِ بِالْبَيَانِ؛ وَلِهَذَا جَعَلَ الْوَطْءَ بَيَانًا فِي الطَّلَاقِ الْمُبْهَمِ حَتَّى لَوْ قَالَ لِامْرَأَتَيْهِ: إحْدَاكُمَا طَالِقٌ، فَوَطِئَ إحْدَاهُمَا طَلُقَتْ الْأُخْرَى، كَذَا هَهُنَا وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ كَوْنَ الْوَطْءِ بَيَانًا لِلْعِتْقِ فِي غَيْرِ الْمَوْطُوءَةِ يَسْتَدْعِي نُزُولَ الْعِتْقِ؛ لِيَكُونَ الْعِتْقُ تَعْيِينًا لِلْمُعْتَقَةِ مِنْهُمَا، وَالْعِتْقُ بِالْكَلَامِ السَّابِقِ غَيْرُ نَازِلٍ؛ لِمَا بَيَّنَّا مِنْ الدَّلَائِلِ، وَهَكَذَا نَقُولُ فِي الطَّلَاقِ الْمُبْهَمِ: إنَّهُ غَيْرُ وَاقِعٍ فِي غَيْرِ الْمُعَيَّنِ مِنْهُمَا بَلْ هُوَ مُعَلَّقٌ بِشَرْطِ الِاخْتِيَارِ، إلَّا أَنَّ هُنَاكَ جَعَلَ الْوَطْءَ دَلَالَةَ الِاخْتِيَارِ وَلَمْ يُجْعَلْ هَهُنَا؛ لِأَنَّ الْوَطْءَ فِي بَابِ النِّكَاحِ مُسْتَحَقٌّ عَلَى الزَّوْجِ شَرْعًا؛ لِقَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ {فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ} [البقرة: 229] قِيلَ فِي التَّفْسِيرِ: إنَّ الْإِمْسَاكَ بِالْمَعْرُوفِ هُوَ الْوَطْءُ وَالنَّفَقَةُ، وَإِذَا كَانَ الْوَطْءُ مُسْتَحَقًّا بِالنِّكَاحِ عِنْدَ اخْتِيَارِ الْإِمْسَاكِ فَإِذَا قَصَدَ وَطْءَ إحْدَاهُمَا صَارَ مُخْتَارًا لِإِمْسَاكِهَا فَيَلْزَمُهُ إيفَاءُ الْمُسْتَحَقِّ شَرْعًا ضَرُورَةَ اخْتِيَارِ الْإِمْسَاكِ فَيَصِيرُ مُخْتَارًا طَلَاقَ الْأُخْرَى، وَالْوَطْءُ فِي الْأَمَةِ غَيْرُ مُسْتَحَقٍّ بِحَالٍ فَلَا يَكُونُ وَطْءُ إحْدَاهُمَا اخْتِيَارًا لِلْعِتْقِ فِي الْأُخْرَى لَوْ صَارَ مُخْتَارًا لِلْإِمْسَاكِ إنَّمَا يَصِيرُ؛ لِيَقَعَ وَطْؤُهُ حَلَالًا تَحَرُّجًا عَنْ الْحُرْمَةِ وَوَطْؤُهُ إيَّاهُمَا جَمِيعًا حَلَالٌ، وَبِاخْتِيَارِ إحْدَاهُمَا لَا يَظْهَرُ أَنَّ وَطْءَ الْمَوْطُوءَةِ كَانَ حَرَامًا؛ لِأَنَّ الْعِتْقَ ثَبَتَ حَالَ الِاخْتِيَارِ مَقْصُورًا عَلَيْهَا.
وَأَمَّا الضَّرُورَةُ فَنَحْوُ أَنْ يَمُوتَ أَحَدُ الْعَبْدَيْنِ قَبْلَ الِاخْتِيَارِ فَيُعْتَقُ الْآخَرُ؛ لِأَنَّهُ بِالْمَوْتِ خَرَجَ مِنْ أَنْ يَكُونَ مَحِلًّا لِاخْتِيَارِ الْعِتْقِ الْمُبْهَمِ فَتَعَيَّنَ الْآخَرُ ضَرُورَةً مِنْ غَيْرِ تَعْيِينِ الْمَوْلَى لَا نَصًّا وَلَا دَلَالَةً، وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْعِتْقَ غَيْرُ نَازِلٍ إذْ لَوْ كَانَ نَازِلًا، لَمَا تَعَيَّنَ الْآخَرُ لِلْعِتْقِ؛ لِأَنَّ التَّعْيِينَ لِلضَّرُورَةِ وَهِيَ ضَرُورَةُ عَدَمِ الْمَحِلِّ وَلَا ضَرُورَةَ؛ لِأَنَّ الْمَيِّتَ كَانَ مَحِلًّا لِلْبَيَانِ إذْ الْبَيَانُ تَعْيِينٌ لِمَنْ وَقَعَ عَلَيْهِ الْعِتْقُ بِالْإِيجَابِ السَّابِقِ وَقْتَ وُجُودِهِ وَكَانَ حَيًّا فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ، وَهَذَا بِخِلَافِ مَا إذَا بَاعَ أَحَدَ عَبْدَيْهِ عَلَى أَنَّ الْمُشْتَرِيَ بِالْخِيَارِ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ، فَمَاتَ أَحَدُهُمَا أَنَّ مِلْكَ الْمُشْتَرِي يَتَعَيَّنُ فِي الْمَيِّتِ مِنْهُمَا وَلَا يَتَعَيَّنُ فِي الْحَيِّ؛ لِأَنَّ هُنَاكَ وُجِدَ الْمُسْقِطُ لِلْخِيَارِ فِي الْمَيِّتِ قَبْلَ الْمَوْتِ وَهُوَ حُدُوثُ الْعَيْبِ فِيهِ، إذْ الْمَوْتُ لَا يَخْلُو عَنْ مُقَدِّمَةِ مَرَضٍ عَادَةً، فَحُدُوثُ الْعَيْبِ فِيهِ يُبْطِلُ خِيَارَ الْمُشْتَرِي فِيهِ؛ فَيَتَعَيَّنُ بِالْبَيْعِ فَيَتَعَيَّنُ الْحَيُّ لِلرَّدِّ، وَهَهُنَا حُدُوثُ الْعَيْبِ فِي أَحَدِهِمَا لَا يُوجِبُ تَعْيِينَهُ لِلْمِلْكِ قَبْلَ الْمَوْتِ فَيَتَعَيَّنُ لِلْمَوْتِ فَيَتَعَيَّنْ الْآخَرُ لِلْعِتْقِ ضَرُورَةً، بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ: أَحَدُ هَذَيْنِ ابْنِي أَوْ أَحَدُ هَاتَيْنِ أُمُّ وَلَدَيْ، فَمَاتَ أَحَدُهُمَا لَمْ يَتَعَيَّنْ الْآخَرُ لِلْحُرِّيَّةِ وَالِاسْتِيلَادِ، كَذَا رَوَى ابْنُ سِمَاعَةَ عَنْ مُحَمَّدٍ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ: أَحَدُ هَاتَيْنِ أُمُّ وَلَدِي، أَوْ أَحَدُ هَذَيْنِ ابْنِي، لَيْسَ بِإِنْشَاءٍ بَلْ هُوَ إخْبَارٌ عَنْ أَمْرٍ سَابِقٍ وَالْإِخْبَارُ يَصِحُّ فِي الْحَيِّ وَالْمَيِّتِ فَيَقِفُ عَلَى بَيَانِهِ، وَقَوْلُهُ: أَحَدُكُمَا حُرٌّ، أَوْ أَحَدُ هَذَيْنِ حُرٌّ إنْشَاءٌ لِلْحُرِّيَّةِ فِي أَحَدِهِمَا، وَالْإِنْشَاءُ لَا يَصِحُّ إلَّا فِي الْحَيِّ، فَإِذَا مَاتَ أَحَدُهُمَا تَعَيَّنَ الْآخَرُ لِلْحُرِّيَّةِ، وَكَذَا إذَا قُتِلَ أَحَدُهُمَا سَوَاءٌ قَتَلَهُ الْمَوْلَى أَوْ أَجْنَبِيٌّ؛ لِمَا قُلْنَا، غَيْرَ أَنَّ الْقَتْلَ إنْ كَانَ مِنْ الْمَوْلَى فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَإِنْ كَانَ مِنْ الْأَجْنَبِيِّ فَعَلَيْهِ قِيمَةُ الْعَبْدِ الْمَقْتُولِ لِلْمَوْلَى، فَإِنْ اخْتَارَ الْمَوْلَى عِتْقَ الْمَقْتُولِ لَا يَرْتَفِعُ الْعِتْقُ عَنْ الْحَيِّ وَلَكِنْ قِيمَةُ الْمَقْتُولِ