وعَنْ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ قَالَ: أَتَيْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - وَفِي عُنُقِي صَلِيبٌ مِنْ ذَهَبٍ , فَقَالَ لِي:" يَا عَدِيٌّ اطْرَحْ هَذَا الْوَثَنَ مِنْ عُنُقِكَ " قَالَ: فَطَرَحْتُهُ , وَقَالَ: وَانْتَهَيْتُ إِلَيْهِ , وَهُوَ يَقْرَأُ سُورَةَ بَرَاءَةٍ فَقَرَأَ هَذِهِ الْآيَةَ اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ. قَالَ: فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّا لَسْنَا نَعْبُدُهُمْ؟ فَقَالَ:" أَلَيْسَ يُحَرِّمُونَ مَا أَحَلَّ اللَّهُ فَيُحَرِّمُونَهُ , وُيُحِلُّونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ فَيَسْتَعْمِلُونَهُ؟ " قَالَ: قُلْتُ: بَلَى , قَالَ:" فَذَلِكَ عِبَادَتُهُمْ ".هَذَا لَفْظُ حَدِيثِ السُّوسِيِّ وَفِي رِوَايَةِ الْحَافِظِ: فَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -:" أَلَيْسَ كَانُوا يُحِلُّونَ لَكُمُ الْحَرَامَ فَتُحِلُّونَهُ , وَيُحَرِّمُونَ عَلَيْكُمُ الْحَلَالَ فَتُحَرِّمُونَهُ " قَالَ: قُلْتُ: بَلَى، قَالَ:" فَذَلِكَ عِبَادَتُهُمْ " (2)

وعَنْ حُذَيْفَةَ قَالُوا: يَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ، اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ قَالَ: أَمَا إِنَّهُمْ مَا عَبَدُوهُمْ , وَلَكِنَّهُمْ أَحِلُّوا مَا حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ , فَاسْتَحِلُّوهُ , وَحَرِّمُوا عَلَيْهِمْ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَهُمْ فَحَرِّمُوهُ , فَصَارُوا بِذَلِكَ أَرْبَابًا "

وفي رواية عَنْ أَبِي الْبَخْتَرِيِّ قَالَ: سُئِلَ حُذَيْفَةُ اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ قَالَ: لَمْ يَكُونُوا يَعْبُدُونَهُمْ , وَلَكِنْ كَانُوا إِذَا أَحَلُّوا لَهُمْ شَيْئًا اسْتَعْمَلُوهُ , وَإِنْ حَرَّمُوا عَلَيْهِمْ شَيْئًا حَرَّمُوهُ " (3)

أما قول فرعون لقومه: «ما عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرِي» .. فيفسره قوله الذي حكاه القرآن عنه: «أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهذِهِ الْأَنْهارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي، أَفَلا تُبْصِرُونَ؟ أَمْ أَنَا خَيْرٌ مِنْ هذَا الَّذِي هُوَ مَهِينٌ. وَلا يَكادُ يُبِينُ؟ فَلَوْلا أُلْقِيَ عَلَيْهِ أَسْوِرَةٌ مِنْ ذَهَبٍ أَوْ جاءَ مَعَهُ الْمَلائِكَةُ مُقْتَرِنِينَ؟» .. وظاهر أنه كان يوازن بين ما هو فيه من ملك ومن أسورة الذهب التي يحلى بها الملوك، وبين ما فيه موسى من تجرد من السلطان والزينة!.

وما قصد بقوله: «ما عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرِي» إلا أنه هو الحاكم المسيطر الذي يسيرهم كما يشاء والذي يتبعون كلمته بلا معارض!

والحاكمية على هذا النحو ألوهية كما يفيد المدلول اللغوي! وهي في الواقع ألوهية. فالإله هو الذي يشرع للناس وينفذ حكمه فيهم! سواء قالها أم لم يقلها!

وعلى ضوء هذا البيان نملك أن نفهم مدلول قول ملأ فرعون: «أَتَذَرُ مُوسى وَقَوْمَهُ لِيُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ، وَيَذَرَكَ وَآلِهَتَكَ؟» ..

فالإفساد في الأرض - من وجهة نظرهم - هو الدعوة إلى ربوبية الله وحده حيث يترتب عليها تلقائيا بطلان شرعية حكم فرعون ونظامه كله. إذ أن هذا النظام قائم على أساس حاكمية فرعون بأمره - أو بتعبير مرادف على أساس ربوبية فرعون لقومه - وإذن فهو - بزعمهم - الإفساد في الأرض، بقلب نظام الحكم، وتغيير الأوضاع القائمة على ربوبية البشر للبشر، وإنشاء وضع آخر مخالف تماما لهذه الأوضاع، الربوبية فيه لله لا للبشر. ومن ثم قرنوا الإفساد في الأرض بترك موسى وقومه لفرعون ولآلهته التي يعبدها هو وقومه ..

طور بواسطة نورين ميديا © 2015