وما مثل هذا إلا كالرامي للهدف، فإنَّ طرق الإصابة تنحصر، وتتحصل من إحكام الآلات، وأسباب النزع وتسديد السهم. فأما من أراد أن يخطئ الهدف فجهات الأخطاء لا تنحصر ولا تنضبط إلا أن نذكر من ذلك حسب الإمكان) (?) .
وهنا أنبه على أن دراسة الأسباب يجب ألا تتجه إلى أن تكون تبريرا للغلو، وإيجادا للعذر عند الغلاة، فهذا المنهج التبريري لا يولد في المآل إلا مزيدا من الغلو؛ ويجعل الغالي يسقط غلوه وجرمه على الناس.
وكم من متكلم في بعض قضايا الغلو يذكر بعض الأسباب ويجعلها مبررا للغلو، وهذا يهون الأمر في النفوس بل قد يجمع بعض الناس بذلك مزيدا من الأدلة ووسائل الإقناع للغلاة أو الجمهور المتلقين.
إن الغلو قد يوجد في البيئة السليمة لكن لأن وجهة النظر المبنية على الجهل والظلم تجعل ما ليس بخطأ خطأ وقد وقع ذلك في عهد النبي صلى الله عليه وسلم. فعن أبي سعيد الخدْري - رضي الله عنه - قَالَ «بَيْنَا النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقْسِمُ - يَعْنِي الْغَنَائِمَ - جَاءَ رَجُلٌ فَقَالَ: اعْدِلْ يَا رَسُولَ اللَّهِ! فَقَالَ: وَيْلَكَ مَنْ يَعْدِلُ إِذَا لَمْ أَعْدِلْ، قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ: دَعْنِي أَضْرِبْ عُنُقَهُ، قَالَ: دَعْهُ فَإِنَّ لَهُ أَصْحَابًا يَحْقِرُ أَحَدُكُمْ صَلَاتَهُ مَعَ صَلَاتِهِ وَصِيَامَهُ مَعَ صِيَامِهِ يَمْرُقُونَ مِنَ الدِّينِ كَمَا يَمْرُقُ السَّهْمُ مِنَ الرَّمِيَّةِ» (?) .