فهذا ظن لسوء طويته أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قد جار فقال قولته الشنيعة، وكذلك فعل الخوارج حين رفعوا دعوى إبطال التحكيم، فاستدلوا بقوله سبحانه {إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ} [الأنعام: 57] فالقول الذي قالوه حق، ولكن زعمهم أن عليا حكم بغير شرع الله باطل.
ولذلك قال علي - رضي الله عنه - (كَلِمَةُ حَقٍّ أُرِيدَ بِهَا بَاطِلٌ) (?) قال الحافظ ابن حجر: (وكان أول كلمة خرجوا بها قولهم: لا حكم إلا لله، انتزعوها من القرآن، وحملوها على غير محملها) (?) فنحن وإن ذكرنا بعض الأسباب وأنها من العوامل التي أوقعت في الغلو لا نفتح بابا للعذر للخوارج وإنما نشخص الواقع؛ لتكون المعالجة على أصل قوي.
* * *
إن أظهر أسباب غلو الخوارج هو: (الجهل) وفي الحديث أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال عن الخوارج: «يَقْرَءُونَ الْقُرْآنَ لَا يُجَاوِزُ حَنَاجِرَهُمْ» . أي: أنهم يأخذون أنفسهم بقراءة القرآن وإقرائه وهم لا يتفقهون فيه ولا يعرفون معانيه ومقاصده (?) .