وهو مع ذلك سبب قريب بحيث لا يحتاج في إقامة المعصية به إلى إحداث صنعة من الفاعل، كبيع السلاح من أهل الفتنة، وبيع العصير ممن يتخذه خمرا، وبيع الأمرد ممن يعصي به، وإجارة البيت ممن يبيع فيه الخمر، أو يتخذها كنيسة أو بيت نار وأمثالها، فكله مكروه تحريما، بشرط أن يعلم به البائع والآجر من دون تصريح به باللسان، فإنه إن لم يعلم كان معذورا، وإن علم وصرح كان داخلا في الإعانة المحرمة. وإن كان سببا بعيدا، بحيث لا يفضي إلى المعصية على حالته الموجودة، بل يحتاج إلى إحداث صنعة فيه، كبيع الحديد من أهل الفتنة وأمثالها، فتكره تنزيها) . (?)
وقد تحدث رحمه الله تعالى عن هذه المسألة في مقالة أردية له بأوضح مما ههنا، وإليكم ترجمته مع تلخيص من عندي: (إن أخذنا التسبب بمعناه العام، فلن يبقى عمل مباح على وجه الأرض. فإن زراعة الحبوب الغذائية والثمار يسبب النفع لأعداء الله، وكذلك من ينسج الثياب، فإنه يهيئ لباسا للبر والفاجر، وربما يستعمله الفاجر في فجوره ... فلا بد إذن من الفرق بين السبب القريب والبعيد. فالسبب البعيد لا حرمة فيه. أما السبب القريب، فهو أيضا على قسمين: القسم الأول ما كان باعثا للإثم بمعنى كونه محركا له، بحيث لولا هذا السبب، لما صدرت المعصية. وإن إحداث مثل هذا السبب حرام كارتكاب المعصية سواء بسواء، وإن هذا القسم من السبب قال فيه الشاطبي في الموافقات: إن إيقاع السبب إيقاع للمسبب ... وبما أن إحداث مثل هذا السبب في حكم ارتكاب المعصية بالذات، فتنسب المعصية إلى المسبب، ولا تنقطع هذه النسبة عنه بتخلل فعل فاعل مختار.