والقسم الثاني من السبب القريب، ما ليس بمحرك للمعصية في نفسه، بل تصدر المعصية بفعل فاعل مختار، مثل بيع ممن يتخذه خمرا، أو إجارة الدار لمن يتعبد فيها للأصنام، فإن هذا البيع أو الإجارة وإن كان سببا قريبا للمعصية، ولكنه ليس جالبا أو محركا للمعصية في نفسه ... وحكم هذا النوع من السبب القريب أن البائع أو المؤجر إن قصد بذلك إعانة المشتري أو المستأجر على معصيته، فهو حرام قطعا. أما إذا لم ينو بذلك المعصية، فله حالتان: الحالة الأولى أنه لا يعلم أن المشتري يتخذ من العصير خمرا. وفي هذه الحالة يجوز البيع بلا كراهة. أما إذا علم أنه يتخذه خمرا، فإن البيع مكروه ... فإن كان المبيع يستعمل للمعصية بعينه، من غير احتياج إلى تغيره، فالكراهة تحريمية، وإلا فهي تنزيهية) . (?) وإذا نظرنا في الودائع المصرفية على هذا الأساس وجدنا أن إيداع رجل أمواله في الحساب الجاري ليس سببا محركا أو داعيا للمعاملات الربوية، بحيث لو لم يودع هذا الرجل ماله، لم يقع البنك في معصية، فدخل في القسم الثاني، ولا يقصد المودع في عامة الأحوال أن يعين البنك في ممارساته الربوية، وإنما يقصد به حفظ ماله. ثم إن المودع لا يعلم بيقين أن ماله سوف يستخدم في معاملة ربوية، بل يحتمل أن يبقى عند البنك، أو يستخدم في معاملة مشروعة، ولو استخدمه البنك في معاملة ربوية، فإن النقود لا تتعين بالتعيين في عقود المعاوضة المشروعة، فلا تنسب هذه المعاملة إلى النقود التي أودعها، وإنما تنسب إلى النقود التي صارت ملكا للبنك. وغاية ما في الباب أن يكون هذا الإيداع مكروها كراهة تنزيه، ولا شك أن كثيرا من المعاملات المشروعة اليوم أصبحت مرتبطة بالبنوك، ويحتاج الإنسان لإنجازها أن يكون له حساب مفتوح في