ولسنا نؤيد هذا الرأي، وذلك لأن الإيداع في البنوك من أجل الحصول على الفوائد، ولو كان بنية صرفها في وجوه البر، دخول في معاملة ربوية، وهو حرام بالنص. وإن الصرف في وجوه البر طريق يلجأ إليه التائب من الذنب لاستخلاص رقبته من الكسب الخبيث الذي اكتسبه بطريق غير مشروع، إما لكونه جاهلا عن كونه غير مشروع، أو لكونه لا يهتم بالتزام الشريعة في معاملاته التجارية أو المالية. إما أن يختار رجل ملتزم بالشريعة هذا الطريق المحظور لصرف كسبه الخبيث إلى وجوه البر، فإنه مثل أن يقترف الإنسان إثما بنية أن يتوب منه، وإن المفروض من المسلم أن لا يقارف ذنبا حتى يحتاج كفارته.
هذا بالنسبة للبنوك التقليدية الموجودة في البلاد المسلمة. أما البنوك التي يملكها غير المسلمين في البلاد غير المسلمة فقد ذهب العلماء المعاصرين إلى جواز الإيداع فيها والانتفاع بالفوائد الحاصلة منها على أساس قول الإمام أبي حنيفة رحمه الله من أنه يجوز أخذ مال الحربي برضاه وأنه لا ربا بين المسلم والحربي. وإن هذا القول لم يقبله جمهور الفقهاء حتى إنه لم يفت به الفقهاء المتأخرون منهم الحنفية. وبما أن حرمة الربا منصوص عليها بنص قطعي يؤذن بحرب من الله ورسوله لمن لا يتركه، فلا ينبغي في عموم الأحوال أن يدخل المسلم في معاملة الربا، وإن كانت مع الحربيين. ولكن هناك نقطة جديرة بالتأمل. وهي أن البلاد الغربية قد سيطرت اليوم على عامة بلاد المسلمين، وإن من أهم عوامل غلبتهم ما غصبوا من الأموال الجمة من بلاد المسلمين، أو أخذوها عن طريق الربا على القروض التي استقرضها منهم تلك البلاد. وفي جانب آخر، إن هذه البلاد تحوز كميات هائلة من أموال المسلمين التي أودعها المسلمين في بنوكهم، ينتفعون بها لصالحهم، بل يستخدمونها لإنجاز خططهم السياسية