كلام الفقهاء أن عدم جواز الاعتياض عن الحقوق ليس على إطلاقه. بل فيه تفصيل بسطناه عند الكلام على شتى أنواع الحقوق وتمسكوا ثانيا بأن من باع كتابا إلى آخر، فقد ملك المشتري ذلك الكتاب بجميع أجزائه، ويجوز للمشتري أن يتصرف فيه كيف شاء، فيجوز له أن يقوم بطباعته، وليس للبائع أن يحجر عليه في هذا الصدد.

ولكن ممكن الجواب عنه بأن التصرف في الشيء شيء، وإنتاج مثله شيء آخر، وإن الذي يملكه المشتري بشراء الكتاب هو الأول، فيجوز له أن يتصرف في الكتاب بما شاء قراءة وانتفاعا، وبيعا، وإعارة، وهبة وما إلى ذلك من التصرفات الأخرى، وأما طباعة مثل هذا الكتاب، فليس من منافع المبيع، يستلزم ملكه ملكا لحق الطباعة، وهذا مثل الفلوس المسكوكة من قبل الحكومة، إذا اشتراها رجل جاز له أن يتصرف فيها ما شاء من بيع وهبة وعارية واستبدال، وما إلى ذلك من التصرفات الفردية، ولكن لا يجوز له بحكم هذا الشراء أن يسك فلوسا أخرى على منواله، فظهر بهذا أن ملك الشيء لا يستلزم حق المالك في إنتاج مثله.

وتمسكوا ثالثا بأن الذي ينتج هذا الشيء المبتكر أو يطبع ذلك الكتاب المؤلف، فإنه لا يسبب خسارة للمنتج أو المؤلف، وغاية ما في الباب أنه يقلل من ربح المنتج أو المؤلف، وقلة الربح شيء، والخسارة شيء آخر.

ويمكن الجواب هذا بأن قلة الربح وإن لم يكن خسارة، ولكنه ضرر، وبين الخسارة والضرر فرق واضح، ولا شك أن الذي تحمل المتاعب والمشاق الجسيمة والفكرية وبذل الأموال الجمة والأوقاف الغالية في إيجاد شيء أو تأليف كتاب، وسهر من أجل ذلك ليالي، وتنازل عن الراحة، أحق بالاسترباح بما ابتكره من الرجل الذي اشتراه بمال بسيط في لحظة واحدة، ثم جعل يسد السوق أمام المبتكر الأول.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015