وربما يقال: إن الاعتراف بحق الطباعة لفرد واحد يسبب كتمانا للعلم، ولكن كتمان العلم إنما يكون إذا منع المؤلف الناس من الاستفادة بما ألفه قراءة وتبليغا، ولكن الذي يحتفظ بحق الطباعة لا يمنع أحدا من قراءة الكتاب ولا دراسته ولا تعليمه ولا تبليغ ما فيه، حتى إنه لا يمنع من بيعه والتجارة فيه، ولكنه يمنع من أن يطبعه الآخر بغير إذن منه، ليكسب بذلك الأرباح، فليس ذلك من كتمان العلم في شيء.
والدليل الأخير للمانعين هو: أن الاحتفاظ بحقوق الطباعة يضيق دائرة انتشار الكتاب، ولو كان لكل أحد حق في طبع الكتاب ونشره، لكان انتشاره أوسع، وإفادته أعم وأشمل.
وهذا أمر واقع لا مجال لإنكاره، ولكن الدليل ينقلب إذا نظرنا من ناحية أخرى، وهي أن المبتكرين لو منعوا حق أسبقيتهم بالاسترباح مما ابتكروه لفشلت هممهم عن اقتحام المشاريع الكبيرة من أجل الاختراعات الجديدة حينما يرون أن ذلك لا يدر إلا ربحا بسيطا، وإن مثل هذه الأمور التي تحتمل وجهين لا تفصل القضايا الفقهية ما دام الشيء ليس فيه محظور شرعي، فإن جميع المباحات فيها ما يضر وينفع.
خاتمة البحث:
ومن الجدير بالذكر هنا أن والدي العلامة المفتي محمد شفيع - رحمه الله تعالى - كان يفتي بعدم جواز بيع حقوق النشر, وله في ذلك رسالة وجيزة مطبوعة في كتابه ((جواهر الفقه)) ولكنه بعد هذا التأليف كان يريد أن يدرس هذه المسألة من جديد ببحث وتحقيق مستفيض بما ينقح مسألة الحقوق والإعتياض عنها وكان منفتحا لكل رأي جديد ينسح له بعد هذا البحث ولكنه لم يجد لذلك فرصة ففوض إلي هذا الأمر مرتين وشرعت في جمع مادته, ولكنه لم يتح إلي إكماله في حياته رحمه الله تعالى وإنما وفقت لإكمال هذا البحث بعد انتقاله إلى رحمة الله بزمان.