ويخالطهم ويسألهم، ولولا الرحلة لتنوع علم الأقاليم المختلفة واتسع الخلاف في الأحكام.
وقد أدرك العلماء أهمية الرحلة فلما سئل الإمام أحمد بن حنبل عن طالب العلم هل يلزم رجل عنده علم فيكتب عنه أو يرحل إلى المواضع التي فيها العلم فيسمع منهم؟ أجاب: يرحل ويكتب عن الكوفيين والبصريين وأهل المدينة ومكة ويشام الناس يسمع منهم1.
وروى عن يحيى بن معين أنه قال "اربعة لا تؤنس منهم رشدا، منهم رجل يكتب في بلده ولا يرحل في طلب الحديث"2.
وقال إبراهيم بن أدهم "أن الله يدفع البلاء عن هذه الأمة برحلة أصحاب الحديث"3 ولكن الرحلة المقصودة هي التي تحقق هدفا واضحا، وليست مجرد سفر يضيع الوقت والجهد لتبادل التحيات والأشواق، قال الخطيب "المقصود بالرحلة في الحديث أمران: أحدهما تحصيل علو الإسناد وقدم السماع، والثاني: لقاء الحفاظ والمذاكرة لهم والاستفادة عنهم فإذا كان الأمران موجودين في بلد الطالب ومعدومين في غيره فلا فائدة في الرحلة فالاقتصار على ما في البلد أولى"4.
وقد كان الراحلون يلتذون في الرحلة، فهذا رجل وفد إلى يزيد بن هارون من حران ينشد:
أقبلت أهوى على حيزوم طاوية ... في لجة اليم لا ألوي على سكن
حتى أتيت إمام الناس كلهم ... في الدين والعلم والآثار والسنن
أبغي به الله لا الدنيا وزخرفها ... ومن تغنى بدين الله لا يهن