معنى ذلك أن الفرد الذي اشتعلت جذوة الإيمان في قلبه هو أكثر الأفراد إنتاجًا في الدعوة وخدمة للإسلام، ويكفيك دليلا على ذلك أن زيد بن ثابت رضي الله عنه قد تعلم السريانية في سبعة عشر يوما، عندما أمره الرسول صلى الله عليه وسلم بتعلمها، بل وصار ماهرًا بها .. يقول زيد بن ثابت: قال لي النبي صلى الله عليه وسلم: «إني أكتب إلى قوم فأخاف أن يزيدوا علىَّ أو يَنْقُصوا، فتعلَّم السريانية» فتعلمتها في سبعة عشر يومًا (?).
إن الطاقة النووية - كما يقول أبو الحسن الندوي - لا تساوي الطاقة التي يولدها الإيمان في قلب المؤمن.
هذا الإيمان يستطيع أن يصنع عجائب كما صنع عجائب من قبل، ويحل كل مشكلات الأمة أولاً، والإنسانية ثانيًا، لأن كل مشكلات الإنسان نبعت من عبادة النفس والشهوات، نبعت من الأنانية .. نبعت من النظر القاصر المحدود، نبعت من حب الرئاسة .. والإيمان يستطيع أن يتغلب على كل هذا، ويصنع من الأمة أمة جديدة (?).
روى التاريخ أن جعفر بن أبي طالب أخذ راية رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة مؤتة، فقاتل بها، حتى إذا أرهقه القتال اقتحم عن فرسه، فعقرها ثم قاتل، فقطعت يمينه، فأخذ الراية بيساره فقطعت فاحتضن الراية بعضديه، حتى قتل، وله ثلاث وثلاثون سنة، ووجد المسلمون ما بين صدره ومنكبيه وما أقبل منه تسعين جراحة، ما بين ضربة سيف وطعنه بالرمح، كلها من الأمام، ومات فتى الفتيان وهو يحنُّ إلى الجنة، ويتغنى بنعمائها، ويستهين بزخارف الدنيا.
هل يتصور هذا من غير عقيدة تتغلغل في الأحشاء؟ ونشوة إيمانية تسرى في العروق؟ ولذة روحية تتغلب على الشعور بالألم؟! (?).
إن هذا الشلال من الإيمان والاحتساب، ورجاء الأجر والثواب، والشوق إلى الجنة، والحنين إلى الشهادة، والحب لله ولرسوله وللمؤمنين، لا زال بكرا، ولم يستخدم بعد، ولم يُقتبس منه هذا التيار المضئ المنير ..
هذا التيار كان يستطيع أن يملأ العالم كله نورًا وبهاءً، ويحل كل مشكلة، ولكنه شلال مظلوم .. إنه ضائع من قرون (?) ..
* * *