بماذا تفسر استعلاء اليهود وقيامهم بإذلالنا وهم الذين كتب الله عليهم الذلة والمسكنة؟!
عن أنس بن مالك مرفوعًا: «يأتي على الناس زمان يدعو الرجل للعامة، فيقول الله: ادع لخاصتك أستجب، وأما العامة فلا، فإني عليهم غضبان» (?).
وعن حذيفة بن اليمان عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «والذي نفسي بيده، لتأمرن بالمعروف، ولتنهون عن المنكر، أو ليوشكن الله أن يبعث عليكم عقابا منه ثم تدعونه فلا يستجاب لكم» (?).
من هنا نقول بأن مشكلة أمتنا إيمانية بالدرجة الأولى، ولن ينصلح حالها، ولن تستعيد عافيتها إلا بالإيمان، فتستبدل بذلك غضب الله برضاه، ومن ثمَّ تستدعى نصره وتمكينه {وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ} [الروم: 47].
وليس معنى القول بأن مشكلة أمتنا مشكلة إيمانية هو ترك الأخذ بأسباب التقدم المادية التي أخذت بها سائر الأمم، أو ترك الجهاد لتبليغ الدعوة وإقامة المشروع الإسلامي، بل المقصد هو إعادة ترتيب الأولويات، فالإيمان أولاً، ثم يلي ذلك توجيه وتصريف الطاقة التي يولدها ذلك الإيمان في المجالات المختلفة، والسعي الدؤوب لاستكمال المشروع الإسلامي الذي يبدأ بإصلاح الفرد، فالبيت، فالمجتمع، وينتهي بأستاذية العالم {وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ للهِ} [الأنفال: 39].
مع الأخذ في الاعتبار أن أهم عامل لنجاح هذا المشروع هو وجود المسلم الصحيح الذي مكَّن لله في قلبه، فانعكس ذلك على سائر حياته ليتحقق فيه قوله تعالى: {قُل إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [الأنعام: 162].
ولا يمكن أن يظهر هذا النموذج إلا بالإيمان، فالإيمان هو الوقود الذي يولِّد الطاقة الدافعة للقيام بالواجبات المختلفة في أي زمان ومكان {لاَ يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الآَخِرِ أَن يُّجَاهِدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ وَاللهُ عَلِيمٌ بِالْمُتَّقِينَ - إِنَّمَا يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الآَخِرِ وَارْتَابَتْ قُلُوبُهُمْ فَهُمْ فِي رَيْبِهِمْ يَتَرَدَّدُونَ} [التوبة: 44، 45].
ولك أن تتأمل ما قاله المصلحون في هذا الشأن ومنهم الإمام حسن البنا، فمن أقواله رحمه الله: إذا وُجد المؤمن الصحيح وجدت معه وسائل النجاح جميعًا (?).
واقرأ معي هذه الكلمات التي كتبها محمد أمين المصري .. يقول رحمه الله: إن محمدًا عليه الصلاة والسلام لم يعمد إلى إصلاح اقتصادي أو أخلاقي أو صحي أو سياسي أو إداري أو علمي.
ولكنه عمد إلى إصلاح الإيمان .. فكان من بعد ذلك كل إصلاح وكل قوة وكل خير، ولا يصلح أمر آخر هذه الأمة إلا بما صلح عليه أولها.
فرجل العقيدة هو السبيل الوحيد لعلاج أنواع الانحرافات؛ ذلك أن رجل العقيدة يندفع في تحقيق أهدافه، وهو إنسان ملأت نفسه عقيدته، فهو يعيش من أجلها ويرضى بكل أذى في سبيلها .. ويبذل فيها جهده وكل غال ورخيص ..
رجل العقيدة إن لم تكن لديه الوسائل الكاملة سعى إلى إيجادها ولو كان أمرًا مستحيلاً (?) .. إن مثل هذا الإنسان يصيح بالناس ويترك فيهم أقوى الآثار ولو كان أبكما (?).
فالوسيلة الفعالة القوية هي تكوين أمثال هؤلاء الرجال، والإصلاح الذي نرقبه لا يتم إلا في إيجاد أمثال هؤلاء (?).