مما لا شك فيه أن طول المكث مع القرآن، وقراءته بتفهم وترتيل وصوت حزين من شأنه أن يجلب التأثر والانفعال وقت القراءة.
ومهما كانت مساحة هذا التأثر والانفعال إلا أن استمرار حدوثه يوما بعد يوم معناه استمرار تغذية القلب بالإيمان .. فإذا ما استمر الإيمان في ازدياد؛ تولدت الرغبة وقويَ الدافع داخل المرء للقيام بأعمال البر المختلفة في شتى المجالات، فالطاقة الإيمانية التي يولدها التأثر المستمر لا تدع صاحبها يقر حتى يُفرغها.
معنى ذلك أن من يترك نفسه للقرآن، ويطيل فترة مكوثه معه فإن ثمة تغيُّرات حقيقية ستحدث له، وسيلاحظها كل من يتعامل معه، خاصة في الوقت الذي يلي لقاءه بالقرآن.
ومما يؤكد ذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي كان أجود الناس، إلا أن هذا الجود كان يزداد بعد قراءته للقرآن. فعن ابن عباس رضي الله عنهما- قال: «كان النبي صلى الله عليه وسلم أجود الناس بالخير، وأجود ما يكون في شهر رمضان، لأن جبريل كان يلقاه في كل ليلة في شهر رمضان حتى ينسلخ، يعرض عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم القرآن، فإذا لقيه جبريل كان أجود بالخير من الريح المرسلة» (?).
ويعلق ابن حجر في فتح الباري على هذا الحديث فيقول:
وفيه أن مداومة التلاوة توجب زيادة الخير (?).
وهذا الصحابي عامر بن ربيعة يأتيه ضيف فيكرمه، فيذهب الرجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ويطلب منه أن يعطيه أرضًا فأعطاه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فذهب إلى عامر ليخبره ويقول له: إني استقطعت رسول الله صلى الله عليه وسلم واديًا ما في العرب أفضل منه، ولقد أردت أن أقطع لك منه قطعة تكون لك ولعقبك.
فقال له عامر: لا حاجة لي في قطيعتك، نزلت اليوم سورة أذهلتنا عن الدنيا {اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مُّعْرِضُونَ} [الأنبياء: 1] (?).
فقراءة القرآن لها تأثير مباشر وسريع في تحسين السلوك ..
وقد أخبرني أحد هؤلاء الذين بدأوا في التعامل الصحيح مع القرآن بأن زوجته صارحته بأنها إذا ما أرادت منه الموافقة على أحد الطلبات فإنها تطلبه منه بعد انتهائه من قراءته للقرآن لعلمها بحالته النفسية الإيجابية، وشعوره بالسعادة في هذا الوقت.
ومع ذلك الأثر العظيم الذي يحُدثه القرآن في القلب والذي من خلاله يتغير السلوك إلا أنه من المناسب أن نجتهد - قدر المستطاع- في تطبيق المعاني التي دلت عليها الآيات، خاصة تلك التي تجاوبنا وتأثرنا بها.
مع الأخذ في الاعتبار أن يظل هذا التطبيق في حدود الاستطاعة حتى لا يكون هذا مدخلا للشيطان بترك القراءة تحت دعوى «تطبيق ما مضى أولا».