يذكر الحافظ ابن كثير - رحمه الله - في سياق هجرة عمر بن الخطاب مع عياش ابن ربيعة، وهشام بن العاص - رضي الله عنهم - (ولقد حبس الكفار هشامًا عن الهجرة، واستطاع أبو جهل أن يرد عياشًا إلى مكة بعد حيلة ماكرة وخطة غادرة .. ) وقد كان شائعًا بين المسلمين أن الله لا يقبل ممن افتتن توبة، وكانوا يقولون ذلك لأنفسهم حتى قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة، وأنزل الله: {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لاَ تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللهِ إِنَّ اللهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ - وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِن قَبْلِ أَن يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ ثُمَّ لاَ تُنْصَرُونَ - وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُم مِّن رَّبِّكُم مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ بَغْتَةً وَأَنْتُمْ لاَ تَشْعُرُونَ} [الزمر: 53 - 55].

قال عمر: وكتبتها وبعثت بها إلى هشام بن العاص.

قال هشام: فلما أتتني جعلت أقرؤها بذى طوى أصعد بها وأصوب، ولا أفهمها حتى قلت: اللهم فهمنيها، فألقى الله في قلبي أنها إنما أُنزلت فينا وفيما كنا نقول في أنفسنا، ويقال فينا.

قال: فرجعت إلى بعيري فجلست عليه فلحقت برسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة (?).

فإذا عزم الأمر:

تنقل إلينا كتب السيرة في قصة إسلام أسيد بن حضير، قول أسعد بن زرارة لمصعب بن عمير عندما رأى أُسيدًا يقبل عليهما بوجه غاضبًا: «أصدق الله فيه».

فلما صدق مصعب الله في أسيد: انفتح قلبه، وانشرح صدره، وانفرجت أساريره، ودخل في الإسلام.

وهذا هو بيت القصيد: أن نصدق الله في طلب الانتفاع الحقيقي بالقرآن.

ألم يقل سبحانه: {فَإِذَا عَزَمَ الأمْرُ فَلَوْ صَدَقُوا اللهَ لَكَانَ خَيْرًا لَّهُمْ} [محمد: 21].

فالأمر قد عزم الآن، ولا يبقى إلا الصدق مع الله، ودوام الإلحاح عليه، وأن يكون حالنا معه - سبحانه - كحال الطفل الذي يريد حاجة من أبيه، فلا تجده ييأس أبدًا من طلب حاجته رغم رفض أبيه المتكرر، ويظل الطفل في إلحاحه المستمر ويظل أبوه يرفضه حتى يتحول الرفض إلى استجابة أمام ذلك السيل من الإلحاح ..

ولله المثل الأعلى، فلنصدق الله في طلبنا، ولنلح عليه في الطلب، فإن تأخرت الإجابة فعلينا ألا نيأس، فربنا - سبحانه وتعالى - أكرم الأكرمين، وأجود الأجودين، وهو ينتظر منا أي التفاتة صادقة نحوه ليقبل علينا، فإن تأخر الإمداد، فلحكمة يعلمها هو، ولخير كبير ينتظرنا شريطة ألا نبرح بابه، وأن نستمر في الإلحاح عليه، مع إظهار عظيم افتقارنا وحاجتنا إلى جوده.

أخي:

أتظن أنك إن مرَّغت وجهك في التراب، فاختلط به دمعك، واشتد نحيبك وتضرعك إلى الله في طلبك للوصال بين قلبك والقرآن، ... أتظن أن ربك سيُعرض عنك، أو يرفض طلبك؟!

قبل أن تبدأ القراءة:

فإن كان الإلحاح على الله عز وجل هام ومحوري في الانتفاع بالقرآن، إلا أنه فوق ذلك له دور كبير في تهيئة القلب لاستقبال القرآن وذلك قبل بدء التلاوة ..

فلنحرص - أخي - على ذلك حتى تتعرض قلوبنا سريعًا لأنوار القرآن ..

اطرق باب القرآن بأدب:

علينا حين نقبل على القرآن أن نطرق بابه بأدب التلميذ الذي يريد أن يتعلم من أستاذه العظيم، فينصت له، ولا يحاول أن يجادله بما لديه من تصورات وأفكار مُسبقة، بل يستسلم له استسلام النهم للمعرفة والشفاء.

وفي هذا المعنى يقول أبو الأعلى المودودي:

طور بواسطة نورين ميديا © 2015