ونقول لمن احْتج على إِبْطَاله كل حجَّة أثرية ذكرتها فَأَنت مقلد لملتها ورواتها إِذا لم يتم دَلِيل قَطْعِيّ على صدقهم فَلَيْسَ بِيَدِك إِلَّا تَقْلِيد الرَّاوِي وَلَيْسَ بيد الْحَاكِم إِلَّا تَقْلِيد الشَّاهِد وَكَذَلِكَ لَيْسَ بيد الْعَاميّ إِلَّا تَقْلِيد الْعَالم فَمَا الَّذِي سوغ لَك تَقْلِيد الرَّاوِي وَالشَّاهِد ومنعنا من تَقْلِيد الْعَالم وَهَذَا سمع بأذنه مَا رَوَاهُ وَهَذَا عقل بِقَلْبِه مَا سَمعه فَأدى هَذَا مسموعه وَأدّى هَذَا معقوله وَفرض على هَذَا تأدية مَا سَمعه وعَلى هَذَا تأدية مَا عقله وعَلى من لم يبلغ منزلتهما الْقبُول مِنْهُمَا
ثمَّ يُقَال للمانعين من التَّقْلِيد أَنْتُم منعتموه خشيَة وُقُوع الْمُقَلّد فِي الْخَطَأ بِأَن يكون من قَلّدهُ مخطئا فِي فتواه ثمَّ أوجبتم عَلَيْهِ النّظر وَالِاسْتِدْلَال فِي طلب الْحق وَلَا ريب أَن صَوَابه فِي تَقْلِيده للْعَالم أقرب من صَوَابه فِي اجْتِهَاده هُوَ لنَفسِهِ وَهَذَا كمن أَرَادَ شِرَاء سلْعَة لَا خبْرَة لَهُ بهَا فَإِنَّهُ إِذا قلد عَالما بِتِلْكَ السّلْعَة خَبِيرا بهَا أَمينا ناصحا كَانَ صَوَابه وَحُصُول غَرَضه أقرب من اجْتِهَاده لنَفسِهِ وَهَذَا مُتَّفق عَلَيْهِ بَين الْعُقَلَاء
وَقَالَ أَصْحَاب الْحجَّة عجبا لكم معاشر المقلدين الشَّاهِدين على أنفسهم مَعَ شَهَادَة أهل الْعلم بِأَنَّهُم لَيْسُوا من أَهله وَلَا معدودين فِي زمرة جيله كَيفَ ابطلتم مذهبكم بِنَفس دليلكم فَمَا للمقلد وَمَا للاستدلال وَأَيْنَ منصب الْمُقَلّد من منصب الْمُسْتَدلّ بل مَا ذكرْتُمْ من الْأَدِلَّة إِلَّا ثيابًا استعرتموها من صَاحب الْحجَّة فتجملتم بهَا بَين النَّاس وكنتم فِي ذَلِك متشبعين بِمَا لم تعطوه ناطقين من الْعلم بِمَا شهدتم على أَنفسكُم أَنكُمْ لم تؤتوه وَذَلِكَ وب زور لبستموه ومنصب لَسْتُم من أَهله غصبتموه فأخبرونا هَل صرتم إِلَى التَّقْلِيد لدَلِيل قادكم إِلَيْهِ وبرهان دلكم عَلَيْهِ فَنزلت بِهِ من الِاسْتِدْلَال أقرب منزل وكنتم بِهِ عَن التَّقْلِيد بمعزل أَو سلكتم بِهِ اتِّفَاقًا وبحثا عَن غير دَلِيل وَلَيْسَ إِلَى خروجكم عَن أحد هذَيْن الْقسمَيْنِ سَبِيل وَأيهمَا كَانَ فَهُوَ بِفساد مَذْهَب التَّقْلِيد حَاكم وَالرُّجُوع إِلَى مَذْهَب الْحجَّة لَازم وَنحن إِن خاطبناكم بِلِسَان الْحجَّة قُلْتُمْ لسنا من أهل هَذَا السَّبِيل وَإِن خاطبناكم بِحكم التَّقْلِيد فَلَا معنى لما أقمتموه من الدَّلِيل وَالْعجب أَن كل طَائِفَة من الطوائف بل كل أمة من الْأُمَم تدعى أَنَّهَا على حق حاشا فرقة التَّقْلِيد فَإِنَّهُم لَا يدعونَ ذَلِك وَلَو ادعوهُ لكانوا مبطلين فَإِنَّهُم شاهدون على أنفسهم بِأَنَّهُم لم يعتقدوا بِتِلْكَ الْأَقْوَال الدَّلِيل قادهم إِلَيْهِ وبرهان دلهم عَلَيْهِ وَإِنَّمَا سبيلهم مَحْض التَّقْلِيد والمقلد لَا يعرف الْحق من الْبَاطِل وَلَا الحالي من العاطل
وأعجب من هَذَا أَن أئمتهم نهوهم عَن تقليدهم فعصوهم وخالفوهم وَقَالُوا نَحن على مذاهبهم وَقد دانوا بخلافهم فِي أصل الْمَذْهَب الَّذِي بنوا عَلَيْهِ فَإِنَّهُم بنوا على الْحجَّة ونهوا عَن التَّقْلِيد وأوصوهم إِذا ظهر الدَّلِيل أَن يتْركُوا أَقْوَالهم ويتبعوه فخالفوهم فِي ذَلِك كُله وَقَالُوا نَحن من أتباعهم تِلْكَ أمانيهم وَمَا أتباعهم إِلَّا من سلك سبيلهم واقتفى آثَارهم فِي أصولهم وفروعهم