حَيْضهَا وَيُبَاح للزَّوْج وَطْؤُهَا بالتقليد وَيُبَاح للْوَلِيّ تَزْوِيجهَا بالتقليد لَهَا فِي انْقِضَاء عدتهَا وعَلى جَوَاز تَقْلِيد النَّاس للمؤذنين فِي دُخُول الْأَوْقَات للصَّلَاة وَلَا يجب عَلَيْهِم الِاجْتِهَاد وَمَعْرِفَة ذَلِك بِالدَّلِيلِ وَقد قَالَت الْأمة السَّوْدَاء لعقبة بن الْحَارِث أَرْضَعتك وأرضعت امْرَأَتك فَأمره النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بفراقها وتقليدها فِيمَا أخْبرت من ذَلِك
وَقد صرح الْأَئِمَّة بِجَوَاز التَّقْلِيد فَقَالَ جَعْفَر بن غياث سَمِعت سُفْيَان يَقُول إِذا رَأَيْت الرجل يعْمل الْعَمَل الَّذِي قد اخْتلف فِيهِ وَأَنت ترى تَحْرِيمه فَلَا تتهمه وَقَالَ مُحَمَّد بن الْحسن يجوز للْعَالم تَقْلِيد من هُوَ أعلم مِنْهُ وَلَا يجوز لَهُ تَقْلِيد من هُوَ مثله وَقد صرح الشَّافِعِي بالتقليد فَقَالَ وَفِي الضبع بعير قَتله تقليدا لعطاء وَقَالَ فِي مَسْأَلَة بيع الْحَيَوَان بِالْبَرَاءَةِ من الْعُيُوب قلته تقليدا لعُثْمَان وَقَالَ فِي مَسْأَلَة الْجد مَعَ الْإِخْوَة أَنه يقاسمهم ثمَّ قَالَ وَإِمَّا قلت بقول زيد وَعنهُ أَخذ أَكثر الْفَرَائِض وَقد قَالَ فِي مَوضِع آخر من كِتَابه الْجَدِيد قلته تقليدا لعطاء وَهَذَا أَبُو حنيفَة فِي مسَائِل الْآثَار لَيْسَ مَعَه فِيهَا إِلَّا تَقْلِيد من تقدمه من التَّابِعين فِيهَا وَهَذَا مَالك لَا يخرج عَن عمل أهل الْمَدِينَة وَيُصَرح فِي موطئِهِ أَنه أدْرك الْعَمَل على هَذَا وَهُوَ الَّذِي عَلَيْهِ أهل الْعلم ببلدنا وَيَقُول فِي غير مَوضِع مَا رَأَيْت أحدا اقْتدى بِهِ يَفْعَله وَلَو جَمعنَا ذَلِك من كَلَامه لطال
وَقد قَالَ الشَّافِعِي فِي الصَّحَابَة رَأْيهمْ لنا خير من رَأينَا لأنفسنا وَنحن نقُول أَن رَأْي الشَّافِعِي وَالْأَئِمَّة مَعَه خير لنا من رَأينَا لأنفسنا
وَقد جعل الله تَعَالَى فِي فطر الْعباد تَقْلِيد المتعلمين للأستاذين والمعلمين وَلَا تقوم مصَالح الْخلق إِلَّا بِهَذَا وَذَلِكَ عَام فِي كل علم وصناعة وَقد فاوت الله سُبْحَانَهُ بَين قوى الأذهان كَمَا فاوت بَين قوى الْأَبدَان فَلَا يحسن فِي حكمته وعدله وَرَحمته أَن يفْرض على جَمِيعهم معرفَة الْحق بدليله
وَالْجَوَاب عَن معارضته فِي جَمِيع مسَائِل الدّين دقيقها وجليلها وَلَو كَانَ كَذَلِك لتساوت أَقْدَام الخليقة فِي كَونهم عُلَمَاء بل جعل الله سُبْحَانَهُ هَذَا عَالما وَهَذَا متعلما وَهَذَا مُتبعا للْعَالم مؤتما بِهِ بِمَنْزِلَة الْمَأْمُوم مَعَ الإِمَام وَالتَّابِع مَعَ الْمَتْبُوع وَأَيْنَ حرم الله تَعَالَى على الْجَاهِل أَن يكون مُتبعا للْعَالم مؤتما بِهِ مُقَلدًا لَهُ يسير بسيره وَينزل بنزوله وَقد علم الله سُبْحَانَهُ أَن الْحَوَادِث والنوازل كل وَقت نازلة بالخلق فَهَل فرض على كل مِنْهُم فرض عين أَن يَأْخُذ حكم نازلة من الْأَدِلَّة الشَّرْعِيَّة بشروطها ولوازمها وَهل ذَلِك فِي إِمْكَان فضلا عَن كَونه مَشْرُوعا وَهَؤُلَاء أَصْحَاب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فتحُوا الْبِلَاد وَكَانَ حَدِيث الْعَهْد بِالْإِسْلَامِ يسألهم فيفتونه وَلَا يَقُولُونَ لَهُ وَعَلَيْك أَن تطلب معرفَة الْحق فِي هَذِه الْفَتْوَى بِالدَّلِيلِ وَلَا يعرف ذَلِك من أحد مِنْهُم الْبَتَّةَ وَهل التَّقْلِيد إِلَّا من لَوَازِم التَّكْلِيف ولوازم الْوُجُود فَهُوَ من لَوَازِم الشَّرْع وَالْقدر والمنكرون لَهُ مضطرون إِلَيْهِ وَلَا بُد وَذَلِكَ فِيمَا تقدم بَيَانه من الْأَحْكَام وَغَيرهَا