وأعجب من ذَلِك انهم مصرحون فِي كثير بِبُطْلَان التَّقْلِيد وتحريمه وَأَنه لَا يحل القَوْل بِهِ فِي دين الله سُبْحَانَهُ وَلَو اشْترط الامام على الْحَاكِم أَن يحكم بِمذهب معِين لم يَصح شَرطه وَلَا تَوليته وَمِنْهُم من صحّح التَّوْلِيَة وأبطل الشَّرْط وَكَذَلِكَ الْمُفْتِي عَلَيْهِ الافتاء بِمَا يعلم صِحَّته بِاتِّفَاق النَّاس والمقلد لَا علم لَهُ بِصِحَّة القَوْل وفساده وَطَرِيق ذَلِك مسدود عَلَيْهِ ثمَّ كل مِنْهُم يعرف من نَفسه أَنه مقلد لمتبوعه لَا يُفَارق قَوْله وَيتْرك لَهُ كل مَا خَالفه من كتاب أَو سنة أَو قَول صَاحب أَو قَول من هُوَ أعلم من متبوعه أَو نَظِيره وَهَذَا من أعجب أَحْوَالهم
وايضا فَإنَّا نعلم بِالضَّرُورَةِ أَنه لم يكن فِي عصر الصَّحَابَة رَضِي الله عَنْهُم رجل وَاحِد اتخذ رجلا مِنْهُم يقلده فِي جَمِيع أَقْوَاله فَلم يسْقط مِنْهَا شَيْئا وَأسْقط أَقْوَال غَيره فَلم يَأْخُذ مِنْهَا شَيْئا ونعلم بِالضَّرُورَةِ أَن هَذَا لم يكن فِي عصر التَّابِعين وَلَا تَابع التَّابِعين فليكذبنا المقلدون بِرَجُل وَاحِد سلك سبيلهم الوخيمة فِي الْقُرُون المفضلة على لِسَان رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وانما حدثت هَذِه الْبِدْعَة فِي الْقرن الرَّابِع المذموم على لِسَانه ص فالمقلدون لمتبوعيهم فِي جَمِيع مَا قَالُوهُ يبيحون بِهِ الْفروج والدماء وَالْأَمْوَال ويحرمونها وَلَا يَدْرُونَ ذَلِك صَوَابا أَو خطأ على خطر عَظِيم وَلَهُم بَين يَدي الله تَعَالَى موقف شَدِيد يعلم فِيهِ من قَالَ على الله تَعَالَى مَا لَا يعلم أَنه لم يكن على شئ
وايضا فَنَقُول لكل من قلد وَاحِدًا من النَّاس دون غَيره مَا الَّذِي خص صَاحبك أَن يكون أولى بالتقليد من غَيره فَإِن قَالَ لِأَنَّهُ أعلم أهل عصره وَزَاد فَضله على من قبله مَعَ جزمه الْبَاطِل أَنه لم يجِئ بعده أعلم مِنْهُ قيل لَهُ وَمَا يدْريك وَلست من أهل الْعلم بشهادتك على نَفسك أَنه أعلم الْأمة فِي وقته فان هَذَا انما يعرفهُ من عرف الْمذَاهب وأدلتها وراجحها ومرجوحها فَمَا للأعمى وَنقد الدَّرَاهِم وَهَذَا أَيْضا بَاب آخر من القَوْل على الله تَعَالَى بِلَا علم
وَيُقَال لَهُ ثَانِيًا فَأَبُو بكر الصّديق وَعمر بن الْخطاب وَعُثْمَان وَعلي بن أبي طَالب وَابْن مَسْعُود وَأبي بن كَعْب ومعاذ بن جبل وَعَائِشَة وَابْن عَبَّاس وَابْن عمر رَضِي الله عَنْهُم أعلم من صَاحبك بِلَا شكّ فَهَلا قلتدهم وَتركته بل سعيد بن الْمسيب وَالشعْبِيّ وَعَطَاء وَطَاوُس وأمثالهم أعلم وَأفضل بِلَا شكّ وَلم تركت تَقْلِيد الأعلم الْأَفْضَل الأجمع لأدوات الْخَيْر وَالْعلم وَالدّين ورغبت عَن أَقْوَاله ومذاهبه إِلَى من هُوَ دونه فان قَالَ لِأَن صَاحِبي وَمن قلدته أعلم بِهِ مني فتقليدي لَهُ أوجب على مُخَالفَة قَوْله لقَوْل من قلدته لِأَن وفور علمه وَدينه يمنعهُ من مُخَالفَة من هُوَ فَوْقه وَأعلم مِنْهُ الا لدَلِيل صَار اليه أَو هُوَ أولى من قَول كل وَاحِد من هَؤُلَاءِ قيل لَهُ وَمن أَيْن علمت الدَّلِيل الَّذِي صَار اليه صَاحبك الَّذِي زعمت أَنْت وَصَاحِبك أَنه أولى من الدَّلِيل الَّذِي صَار اليه من هُوَ أعلم مِنْهُ وَخير مِنْهُ أَو هُوَ نَظِيره وقولان مَعًا متناقضان لَا يكونَانِ صَوَابا بل