والذي تمثلنا به مما وقع في الشريعة، له في لسان العرب اسم نصوص عليه، يعبر به عنه، فلا يوقع مع القياس في ضرورة، فيغني في العبارة المقصود فيها التفهم، قولنا: هذا وطئ بهيمة عن قولنا: زنا بهيمة، وكذلك بقية ما تمثلنا به، له عبارات تنبئ عن المراد، وذكر فرقا ثانيا، وهو أن المجاز أخفض رتبة من الحقيقة، فيجب أن يكون للحقيقة عليه رتبة، بل يجاز القياس فيها، ويمنع فيه، وهذا أيضًا ليس بالقوي، لأنا نجد بين الحقيقة والمجاز (...) الرتب بالسبق، وكون الحقيقة أصلا، والمجاز فرعا، إلى غير ذلك مما ذكره العلماء من الفروق، ما يغني عن هذا الفرق، وليس يجب (...) ثبت مع وجودنا فروقا كثيرة كل فرق قد يدعى من غير دليل يقوم عليه.
وقد منع القاضي ابن الطيب القياس على المجاز، [فقال] لا يقال: سألت الثوب، قياسا على قولهم سألت الربع، والطلل، ولكن القاضي ابن الطيب ممن يمنع القياس على العلة [على] كل حال فلا ندري ما يقول في القياس على المجاز إذ وجدت العلة كوجودها في الحقائق على هذه الطريقة التي بنينا عليها (دان ...) في الخلاف في هذه المسألة، فإن من منع القياس استدل بقوله تعالى: (وعلم أدم الأسماء كلها) وهذا (ث 53) استدلال ضعيف، لأنا لو قلنا بالعموم، وأنه لم يبق اسم إلا وقد علمه آدم، فإن الآية لا تنفي أن يكون غير آدم لم يعلم كل الأسماء، وعلم بعضها، واحتاج إلى قياس بعض آخر عليه، والكلام في علماء هذه الأمة لا في آدم صلوات الله عليه، ولكن القاطع الذي يعول عليه من منع القياس أن العرب إذا وضعت لذات أسماء وعرف العلة. والسبب الذي وضعوا لأجله التسمية كما تمثلنا به في مسألة الخمر وغيرها، فإنهم لا يخلو حالهم من ثلاثة أقسام، إما أن ينهونا عن طرد علتهم، والقياس على تسميتهم، أو يأمرونا بذلك، أو يصمتوا عن أمرنا ونهينا، فلا يخفى عن أحد أنهم إذا قالوا سمينا هذا الشيء بهذه التسمية، ولا نسمى كذا وكذا بها، وإن كان مشبها لما سميناه أنه لا يجوز أن يسمى ذلك الشيء بالاسم الذي نهوا عنه، على أن ذلك من لغتهم، لأن من فعل ذلك كان مكابرا لهم، وكاذبا عليهم.
ولا يشك أحد أيضًا أنهم إذا أمرونا بالقياس، وأفهمونا أنهم وضعوا هذه التسمية لكل ما فيه معنى المسمى عموما، حضر لديهم، أو غاب، إنما نسمي ذلك بهذه التسمية، ونضيف ذلك إليهم، ولا نكون كاذبين عليهم، وليس هذا بقياس، وإنما هو اتباع لهم، فيما وضعوه من المسميات نصا وتصريحا، أو ضمنا وتلويحا، ولهذا سمينا العالم منا الآن