عالما، وإن كانت العرب لم تره فتشير إلى عينه بهذه التسمية، لأنا علمنا ضرورة أنهم [لم] يقصدوا قصر هذه التسمية، على علماء عصرهم، بل وضعوها مشيرين بها إلى من رأوه من العلماء، ومن يأتي بعدهم، وكذلك تسميتهم الإنسان منهم إنسانا، والفرس فيهم فرسا، لكن لو تصور معنى آخر يقاس على العلم فتطرد التسمية فيه بالقياس، كان مسألة الخلاف.
وأما إذا صمتوا فلم يأمروا، ولم ينهوا، فهذه موضع الخلاف، ولا وجه لتقويلهم ما لم يقولوا مع إمكان أن يكونوا قصدوا قصر التسمية، وإذا أمكن هذا في العقل [وجاز] فلا وجه للقطع على أن الأمر كان واقعا على نقيضه، وقد سموا سواد الفرس دهمة وسموا عصير العنب خمرا، ولم يسموا نبيذا التمر وغيره من المشروبات التي تغشي وتفسد العقل خمرا.
وإذا وجد هذا النحو من التصرف في اللسان من القصر والإضراب [عن] العلل فمن أين ينطقوا فيما سكتوا عنه على خلافه، وأما من أجاز القياس على اللغة، فإنه يعتمد على القياس في [اللسان]، ويقول: كما صح الطرد في العلل الحكمية صح في العلل الاسمية، وهذا قياس يحاول به إثبات قياس آخر، والمطالبة في الثاني كالمطالبة في الأول، فيقال لم يجب القياس في اللغة لما وجب في الأحكام.
ثم الفرق أن القياس في الأحكام عبارة من الله سبحانه، فصاحب الشرع، كالقائل إذا غلب على ظن الفقيه أني قلت قولا لعلة، ووجدت تلك العلة في أمر سكت [عنه] فليقض فيه، بمثل قضائي، فلو قال العربي إذا وجدتم علتي في أمر لم أسمه فسموه بمثل ما سميت أنا به شبيهه، لكان هذا مضافا للعربي، ولسانا له، ولم يكن قياسا على حسب ما بيناه، وقد قالوا أيضًا إن في منع القياس إفسادا للغة، وحسم مادة الانتفاع بها، لأنه يقتضي ألا يسمى فرسنا فرسا، لأن العرب لم تره فتسميه وهذا قد سبق جوابه، وأنه فهم عن العرب قطعا طرد التسمية فيه، وإنما كلامنا فيما لم يفهم عن العرب فيه أحد الأمرين، من أمر يقصر أو يطرد.
النظر في فائدة هذا الفصل يضاهي فائدة الفصل الذي قبله، وقد ذكرناها، وهي تتصور في هذا الفصل أيضا، وذلك مما يستبان بعد نقل المذاهب وتصويرها، فاعلم أن المعتزلة والخوار قسموا الألفاظ إلى ثلاثة أقسام: دينية ولغوية وشرعية فالدينية ما تعلق بمسائل الأصول، وهي الكفر، والإيمان، والفسق، فالإيمان عندهم مطلق على الطاعات المفترضة