سبحانه لا يعلمه، ومن الشنيع في أمر الدين أن يقال إن للعبد معلوما لا يعلمه الله سبحانه وهذا مستنكر من جميع المسلمين، وإن كان القاضي لما نفي تعلق علم الله سبحانه بالمعلومات على الجملة لم يلتفت إلى هذا التشنيع، ورأى (...) يجب أن تتبع، وهذا أمر نفي عن البارئ سبحانه الجهالة، وإضافتها إليه.
فأنت ترى هذه المذاهب كيف [جعلهم] الحال يحاذرون من الوقوع في مذهب [يؤدي] إلى إضافة جهالة إلى الله سبحانه، وإن كانت على هذا الأسلوب (...) (ص 43) نفي جهالة أخرى عنه، فكيف بإضافة جهالات للباري سبحانه لا تنحصر ولا تعد؟ تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا.
وهذه النكتة التي منعت ابن الجبائي من القول بتعلق العلم بالمعلوم على الجملة أخرنا ذكرها هناك، لنوردها، هاهنا، على هذه الصفة، تبشيعا للمذهب الذي أشار إليه، وأنت إذا حققت معنى تعلق العلم بالأمر في الجملة، أو التفصيل هان عليك الجواب عن تعلق ابن الجبائي بهذا الذي تعلق به من استبعاد إثبات معلوم للعبد لا يعلمه الله سبحانه، وقد استبان من هناك صفة تعلق العلم بهذه المعلومات، وأن تعلق العلم بالجملة لا يتضمن الجهل بالتفصيل إلا على جهة المشاحة في عبارة.
ولعل أبا المعالي لا يخالف في شيء من هذه الحقائق، وإنما يريد الإشارة إلى معنى آخر، وإن كان مما لا يحتمله قوله إلا على استكراه وتعسف، وبالجملة فإنه مقال شنيع، ولفظ لا يقبل التأويل، فنسلك فيه ما سلكناه من الجمع بينه وبين الأئمة، على حسب ما قدمناه، في كلامنا على مخالفته إياهم في رد الغائب إلى الشاهد، وفي هذا كفاية.
قسم أبو المعالي هذه المدارك على ثلاثة أقسام تقسيما كليا:
- العقل المحض.
- ومدرك مشترك بين العقل والعرف.