- ومدرك سمعي محض.
ثم حصر مدرك العقل المحض في أربعة أنحاء:
- العلم بالجواز.
- ومحض أحد الجائزين بالوقوع.
- ووجوب مخالفته للجائزات.
- والصفات التي لا تكون مخصصا إلا بعد حصولها.
وهذا الذي قاله فيه نقصان ومداخلة، أما النقصان فإن العلوم التي أشار إليها هي التي لا يصح العلم بصدق الرسول إلا بعد العلم بها كالعلم بحدث العالم، وإثبات صانعه، وقدمه، ووحدانيته، واقتداره، وعلمه، وإرادته، وجواز بعثته الرسل. وقد علم أن هذه العلوم ينبني بعضها على بعض على الجملة، وحدث العالم مقدم فيها، وقد علم أن من مقدماته التي لا يتم العلم بحدثه إلا بعد العلم بها: استحالة حوادث لا أول لها، والاستحالة نقيض الجواز، فلا معنى لحصر العلوم الدينية في الجائزات خاصة، ومما يفتقر إليه في العلم بحدث العلم استحالة قيام الصفات بالصفات إلى غير ذلك من ضروب الإحالات، مثل استحالة تعري الجوهر عن الأعراض، وغيرها.
فاتضح أن الذي قاله قاصر عن استيعاب المطلوب هاهنا، وأما المداخلة، فإنه ذكر في القسم الثالث العلم بمخالفة المخصص للمخصصات وذكر في الرابع العلم بالصفات التي لا يصح كونه مخصصا إلا بها، ووجوب مخالفته للمخصصات داخل في هذا، إذا كان المراد المخالفة التي لا يتم كونه فاعلاً إلا بها وهي المقصود في هذا الباب، لما أشرنا إليه من الحاجة إلى علم صدق الرسل.
واعتمد أبو المعالي في هذا الفصل في إثبات كلام الله سبحانه على التضمن العقلي فقال: العالم لابد أن يقارن علمه إخبار عن المعلوم مطابق للعلم، وإذا طابق الخبر العلم، كان صدقا، لأن حقيقة العلم معرفة المعلوم على ما هو به، وحقيقة الصدق الإخبار عن الأمر على ما هو به، وأشار إلى أن العلم يتضمن هذا الخبر، كما يتضمن الحياة، فكما لا يصح علم دون حياة، فلا يصح علم دون الخبر والطريقة المشهورة في الاستدلال أن الباري سبحانه ثبت كونه حيا، والحي يصح منه أن يكون متكلما، فالحياة مصححة لقبول المحل للكلام، وضده الذي هو الخرس، فلو لم يكن الباري سبحانه متكلما لكان أخرس تعالى عن ذلك، ولو ثبت الخرس له، قائما به، لم يقدر إلا قديما، إذ القديم لا تحل به الحادثات،