فإن قال لا يعلمها على التفصيل، قيل معلومان أو ثلاثة لا إحالة في علمها على التفصيل، ويمكن من المخلوق أن يعلم معلومين أو ثلاثة، وأكثر من ذلك على التفصيل، فكيف بمن هو بكل شيء عليم؟
وهذا يؤدي إلى جهله بكل شيء تعالى [عن] ذلك، وإن قال يعلمه على التفصيل، قيل له لا يخلو أن يعلمها بعلمه القديم الواحد، أو بعلم يتجدد له، فإن قال بعلم يتجدد له، فهذا مذهب الجهمية القائلين بأن الله سبحانه يعلم المعلومات بعلوم محدثات، وهذا باطل، وقد بسط الرد عليه في كتب علم الكلام، فلم يبق مع هذا التفسير الحاصر إلا إثبات كونه عالما بها بعلمه القديم على التفصيل، ونفرض ذلك في كل ما خرج منها إلى الوجود، حتى يؤدي إلى إثبات علمه بالتفصيل فيما لا يتناهى، كما قاله المسلمون.
وعجبا له من استشهاده علينا بما اتفقنا عليه من استحالة خروج ما لا يتناهى إلى الوجود، وواضح لكل متأمل فرقان بين كون ما لا يتناهى موجودا، وبين كونه معلوما، وذلك أنا إذا أثبتنا الفراغ من الموجودات فمعلوم قطعا أن يمكن بعد الفراغ إيقاع موجود آخر غيرها، ويزيد عليها فاعلها موجودات أخر، وإثبات زيادة عليها يقتضي كون الموجود قد تناهى، لأن الزيادة إنما تكون على متناه وما لا يتناهى ولا آخر له تستحيل الزيادة عليه. فإذا قلنا بعد هذا إنه لا يتناهى فقد ناقضنا، لأن ذكرنا الفراغ منه، يقتضي تناهيه، على ما بيناه، وقولنا لا يتناهى مناقض لقولنا إنه قد تناهى بالفراغ.
وأما إذا قدرنا ما لا يتناهى معلوما فليس هذه هنا إشارة إلى أمر أتى الفراغ عليه، لأن المعلوم لا يكتسب من العلم شيئا، وإنما يتعلق به على ما هو عليه، فإذا كان لا يتناهى، وعلم غير متناه، لم يتضمن تعلق العلم به إثبات نهاية له، كما تضمن ذلك من الفراغ إلى الوجود، وإذا لم يتضمن ذلك، فلا تناقض فيه، يؤدي إلى المنع، وهذا أوضح من فلق الصبح، لمن تدبره، وفي مثله ينبغي أن يقول المحصل: إذا لاحت الحقائق فليقل الآخر ما شاء.
وعجبا له، هو يعلم أن ابن الجبائي على صدقه عنده، ومن وافقه إنما صاروا إلى أن العلم يتعلق بأمر على الجملة، لأنهم لو قالوا بذلك لأبقوا لله سبحانه علما بالجملة، وذلك يتضمن الجهل على التفصيل، والله سبحانه يتقدس عن الجهالة.
وإن قالوا: إن الله سبحانه لا يعلم علم الجملة فقد أثبتوا أن للعبد معلوماً والله