والانفصال، و"عن" لا تفيد ذلك، ولهذا اختصت الأحاديث بالعنعنة، فتقول: حدثني فلان عن فلان.
وأما حرف "إلى" فإنه يرد للغاية تقول: سرت من الكوفة إلى البصرة، ولكن يقع الإشكال في الغاية هل هي بحكم ما قبل حرف إلى، أو بخلاف حكم ما قبله؟ فرأى سيبويه أن هذا الحرف إذا صحبه من، اقتضى ذلك كونه الغاية والمبدأ غير داخلين في حكم المنطوق به، فإذا قلت: بعتك من هذه الشجرة إلى هذه الشجرة، لم تدخل الشجرتان في البيع، وكأنه قدر أن غاية الشيء هي نهايته المميزة له مما بعده.
وهذه الحقيقة (...) في دخول الغاية فيما قبلها، لأنها لو دخلت فيما قبلها لصارت من جملة الأجزاء، فلم يقع التمييز، وبطل معنى الغاية، لكنه (ص 67) لا يتحقق إلى القصد بها ما وضعت له من الدلالة على الغاية إلا بأن يصاحبها حرف من، لأن حرف من يقتضي ابتداء الغاية كما تقدم، ومن أشعرك بابتداء أمر، أشعر بآخره، فكأنه رأى حرف من قرينة تقتضي أن حرف إلى لم يرد به معنى آخر غير معنى الغاية، فإذا لم يصاحب إلى حرف من، صار محتملا هل يكون المراد به الغاية، فيعطي حكمها الذي تقدم، أو يراد به معنى مع فيكون ما بعد حرف إلى مضافا إلى ما قبله، ومنضما إليه، كما يقتضي ذلك حرف مع، ويفتقر حينئذ السامع إلى بيان المراد من الغاية هل هي داخلة فيما قبلها أو لا؟
وأما غير سيبويه من أئمة اللغة فإنما استدل على المعنى الذي نحا إليه سيبويه بطريقة أخرى، فرأى أن ما بعد الغاية إذا كان مجانسا لما قبلها اقتضى التجانس التداخل، وقضى بكون ما بعد إلى داخلا فيما قبله كقوله: بعتك هذا الثوب من الطرف إلى الطرف، حتى إذا كان ما بعد الغاية مخالفا لما قبلها لم يدخل فيما قبل، لو قلت: بعتك هذه الأرض إلى الشجرة، لم تدخل الشجرة في البيع، لكونها ليست من الأجزاء المشابهة لأجزاء الأرض، فكأنه استدل بالمشابهة والمخالفة عن قصد المتكلم.
وبالجملة فإن هذا أمر يفتقر إلى نقل عن العرب، والتعويل فيه على مثل هذا الاستدلال ضعيف، نعم، لا ينكر كون العرف يجري بين بعض المخاطبين في هذا المعنى، ما يستدل عليه بنحو هذه الطريقة. وأما إضافة هذا إلى أهل اللغة، بمثل هذا الاستدلال فجانب للتحقيق.