عن الكعبة بعد ما صليتم إليها؟ قولوا لهم قد تبين لنا أن الحق هو استقبال الصخرة لا الكعبة.

هذا معنى قوله تعالى فيهم: {وَقَالَتْ طَائِفَةٌ1 مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ آمِنُوا2 بِالَّذِي أُنْزِلَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا} يعني في شأن القبلة، {وَجْهَ النَّهَارِ} أي: صباحاً {وَاكْفُرُوا آخِرَهُ} أي: واجحدوا به مساءاً، {لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ} أي: إلى استقبال الصخرة بدلاً عن الكعبة، والغرض هو بلبلة أفكار المسلمين وإدخال الشك عليهم3 وقوله تعالى عنهم: {وَلا تُؤْمِنُوا إِلا لِمَنْ تَبِعَ دِينَكُمْ} يريد أنهم قالوا لبعضهم بعضا لا تصدقوا أحداً إلا لمن تبع دينكم من أهل ملتكم وهذا صرف من رؤسائهم لليهود عن الإسلام وقبوله، أي لا تصدقوا المسلمين فيما يقولون لكم، وهنا رد تعالى عليهم بقوله قل يا رسولنا: {إِنَّ الْهُدَى هُدَى اللهِ} ، لا ما يحتكره اليهود من الضلال ويزعمون أنه الحق والهدى وهو البدعة اليهودية، وقوله تعالى: {أَنْ يُؤْتَى أَحَدٌ مِثْلَ مَا أُوتِيتُمْ أَوْ يُحَاجُّوكُمْ عِنْدَ رَبِّكُمْ} هو قول اليهود معطوف على قولهم: {وَلا تُؤْمِنُوا إِلا لِمَنْ تَبِعَ دِينَكُمْ} ، أما قوله تعالى: {قُلْ إِنَّ الْهُدَى ... } فهو كلام معترض بين كلام اليهود الذي قُدم تعجيلاً للرد عليهم، ومعنى قولهم: {أَنْ يُؤْتَى أَحَدٌ ... } إلخ. أي: كراهة أن يعترف من قبلكم بأن محمداً نبي حق وأن دينه حق فيتابعه اليهود والمشركون عليه فيسلمون، أو على الأقل يثبت المسلمون عليه، ونحن نريد زلزلتهم وتشكيكهم حتى يعودوا إلى دين آبائهم، أو يحاجوكم عند ربكم يوم القيامة وتكون لهم الحجة عليكم إن أنتم اعترفتم لهم اليوم بأن نبيهم حق ودينهم حق، فلذا واصلوا الإصرار أنه لا دين حق إلا اليهودية وأن ما عداها باطل وهنا أمر تعالى رسوله أن يقول لهم مبكتاً لهم: {إِنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللهِ} ، لا بيد اليهود {يُؤْتِيهِ} أي: الفضل الذي هو النبوة والهدى والتوفيق وما يتبع ذلك من خير الدنيا والآخرة، {مَنْ يَشَاءُ} من عباده ويحرمه من يشاء، وهو الواسع الفضل العليم بمن يستأهله ويحق له {يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ} .

طور بواسطة نورين ميديا © 2015