بلى وثالثاً {وَمَا نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ عَلَى أَنْ نُبَدِّلَ أَمْثَالَكُمْ وَنُنْشِئَكُمْ1 فِي مَا لا تَعْلَمُونَ} بحيث نخلقكم في صور وأشكال غير ما أنتم عليه فنخلقكم خلقاً ذميما وقبيحاً كالقردة والخنازير، وما نحن بعاجزين عن ذلك فهل نعجز إذاً عن بعثكم بعد موتكم أحياء لنحاسبكم ونجزيكم {وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ النَّشْأَةَ الْأُولَى} كيف تمت لكم بما لا تنكرونه.
إذاً {أَفَلا تَذَكَّرُونَ} فتعلمون أن الذي خلقكم أول مرة قادر على خلقكم ثانية مع العلم أن الإعادة ليست بأصعب من الإنشاء من عدم لا من وجود. ورابعاً {أَفَرَأَيْتُمْ مَا تَحْرُثُونَ} 2 من إثارة الأرض وإلقاء البذر فيها أخبرونا أأنتم تنبتون الزرع {أَمْ نَحْنُ الزَّارِعُونَ} له أي المنبتون والجواب معروف وهو أننا نحن الزارعون لا أنتم. إذاً فالقادر على إنبات الزرع قادر على إنباتكم في قبوركم على نحو إنبات الزرع وعجب الذنب هو النواة التي تنبتون منها وخامسا هو أن ذلك الزرع الذي أنبتناه لو نشاء لجعلناه بعد نضرته وقرب حصاده حطاما يابساً لا تنتفعون منه بشيء3 فظلتم تفكهون متعجبين من حرمانكم من زرعكم تقولون {إِنَّا لَمُغْرَمُونَ} أي ما أنفقناه على حرثه ورعايته معذبون به4 ثم تضربون عن قولكم ذلك إلى قول آخر وهو قولكم {بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ} ما لنا من حظ ولا جد فيه أي لسنا محظوظين ولا مجدودين. إن أنبات الزرع ثم حرمانكم منه بعد طمعكم في الانتفاع به مظهر من مظاهر قدرة الله وعلمه وحكمته وتدبيره وكلها دالة على قدرته على بعثكم لمحاسبتكم ومجازاتكم على عملكم في هذه الحياة الدنيا. وسادسا الماء الذي تشربون وحياتكم متوقفة عليه أخبروني {أَأَنْتُمْ أَنْزَلْتُمُوهُ} من السحاب {أَمْ نَحْنُ الْمُنْزِلُونَ} والجواب نحن المنزلون لا أنتم هذا أولاً وثانياً لو نشأ لجعلنا الماء ملحاً مراً لا تنتفعون منه بشيء وإنا لقادرون فهلا تشكرون هذا الإحسان منا إليكم بالإيمان بنا والطاعة لنا. وسابعا النار التي تورون وتشعلونها أخبروني {أَأَنْتُمْ أَنْشَأْتُمْ شَجَرَتَهَا أَمْ نَحْنُ الْمُنْشِئُونَ} والجواب نحن لا أنتم فالذي يوجد النار في الشجر قادر على أن يبعثكم أحياء من قبوركم ليحاسبكم على