معنى الآيات:
ما زال تعالى يقرر ربوبيته وألوهيته ونبوة رسوله ويبطل دعوى نصاري نجران في ألوهية المسيح عليه السلام، فيقول: هو أي: الله الحي القيوم الذي أنزل عليك الكتاب، أي: القرآن منه آيات محكمات، لا نسخ فيها ولا خفاء في معناها ولا غموض في دلالتها على ما نزلت فيه وهذه معظم آي الكتاب وهي أمة واصلة، ومنه آيات أخر متشابهات وهي قليلة والحكمة من إنزالها كذلك الامتحان والاختبار بالحلال والحرام، وبأمور الغيب ليثبت على الهداية والإيمان من شاء الله هدايته، ويزيغ في إيمانه وضل عن سبيله من شاء الله تعالى ضلاله وعدم هدايته. فقال تعالى: {فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ ... } أي: ميل عن الحق {فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ} للخروج به عن طريق الحق وهداية الخلق كما فعل النصارى حيث ادعوا أن الله ثالث ثلاثة؛ لأنه يقول نخلق ونحيي، ونميت، وهذا كلام جماعة فأكثر، وكما قالوا في قوله تعالى في شأن عيسى: { ... وَرُوحٌ مِنْهُ1 ... } أنه جزء منه متحد به وكما قال الخوارج في قوله تعالى: { ... إِنِ الْحُكْمُ إِلا لِلَّهِ2 ... } فلا يجوز لأحد أن يحكم في شيء وكفروا علياً وخرجوا3 عنه لتحكيمه أبا موسى الأشعري في حقيقة الخلاف بين على ومعاوية، وهكذا يقع أهل الزيغ في الضلال حيث يتبعون المتشابه ولا يردونه إلى المحكم فيظهر لهم معناه ويفهمون مراد الله تعالى منه. وأخبر تعالى أنه لا يعلم تأويله إلا هو سبحانه وتعالى، وأن الراسخين4 في العلم يفوضون أمره إلى الله منزله فيقولون { ... آمَنَّا بِهِ5 كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلا أُولُو الأَلْبَاب6} ، ويسألون ربهم الثبات