وَثَبت أَن الاسلام مُتبع لَا مخترع وَلذَلِك كفر من أنكر شَيْئا من أَرْكَانه لِأَنَّهَا مَعْلُومَة ضَرُورَة فَأولى وَأَحْرَى أَن لَا يَجِيء الشَّرْع بِالْبَاطِلِ منطوقا متكررا من غير تَنْبِيه على ذَلِك لَا سِيمَا إِذا كَانَ ذَلِك الَّذِي سموهُ بَاطِلا هُوَ الْمَعْرُوف فِي جَمِيع آيَات كتاب الله وَجَمِيع كتب الله وَلم يَأْتِ مَا يناقضه فِي كتاب الله حَتَّى يُنَبه على وجوب التَّأْوِيل وَالْجمع أَو يُوجب الْوَقْف بل لم يَأْتِ التَّصْرِيح بِالْحَقِّ الْمَحْض عِنْد كثير مِنْهُم قطّ فِي آيَة وَاحِدَة تكون هِيَ المحكمة وَيرد اليها جَمِيع الْمُتَشَابه فان الله ذكر أَنه نزل فِي كتاب آيَات محكمات ترد اليها المتشابهات وَلم يقل أَن جَمِيع كِتَابه متشابه فَأَيْنَ الْآيَة المحكمة الَّتِي دلّت على مَا يَقُولُونَ
وَقد اعْترف الرَّازِيّ فِي كِتَابه الاربعين وَهُوَ من أكبر خصوم أهل الْأَثر أَن جَمِيع الْكتب السماوية جَاءَت بذلك وَلم ينص الله تَعَالَى فِي آيَة وَاحِدَة على أَنه منزه من الْوَصْف بِالرَّحْمَةِ والحلم وَالْحكمَة وَأَنه لَيْسَ برحيم وَلَا رَحْمَن وَلَا حَلِيم وَلَا حَكِيم وَلَا سميع وَلَا بَصِير وَهَذَا خَلِيل الله تَعَالَى الَّذِي مدح نَبينَا مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بمتابعته يَقُول لِأَبِيهِ {يَا أَبَت لم تعبد مَا لَا يسمع وَلَا يبصر وَلَا يُغني عَنْك شَيْئا} إِلَى قَوْله {إِن الشَّيْطَان كَانَ للرحمن عصيا} فَكيف يحسن تَقْرِير الْخلاف فِي ذَلِك كُله بَين المعظمين من عُلَمَاء الاسلام من غير تحذير مِنْهُ وَلَا زجر عَنهُ وأمثال ذَلِك على مَا ادَّعَاهُ عُلَمَاء الاثر وَهُوَ كَذَلِك وَإِن لم يعْتَرف بِهِ وَهَذِه الْكتب السماوية مَوْجُودَة كلهَا
(وهبك تَقول هَذَا الصُّبْح ليل ... أيعمى الْعَالمُونَ عَن الضياء)
فان قيل وُرُود الْمُتَشَابه فِي الْقُرْآن مَعْلُوم مجمع عَلَيْهِ ولابد أَن يكون ظَاهر الْمُتَشَابه بَاطِلا وَإِلَّا لما وَجب التَّأْوِيل فَمَا هَذَا التهويل
قُلْنَا أما وُرُوده فمعلوم لَا يُنكر وَأما تَفْسِيره بِمَا يُوجب أَن يكون ظَاهره بَاطِلا فَغير صَحِيح لقَوْل الراسخين فِي الْعلم آمنا بِهِ كل من عِنْد رَبنَا ولذم الله الَّذين فِي قُلُوبهم زيغ بابتغاء تَأْوِيله وَقد تقدم هَذَا فَلَا نسلم قبح ظَاهره بل هُوَ مَحل النزاع بل نقُول هُوَ قِسْمَانِ