أَحدهمَا لَا ظَاهر لَهُ وَلَا يفهم مِنْهُ شَيْء فَلَا يضل بِهِ أحد وَذَلِكَ مثل حُرُوف التهجي فِي أَوَائِل السُّور على الصَّحِيح كَمَا تقدم فَحكمه الْوَقْف فِي مَعْنَاهُ وَكَذَلِكَ الْمُشْتَرك الَّذِي تجرد عَن الْقَرَائِن فِي حق من لم يعرف قرينه مرجحة لَاحَدَّ مَعَانِيه وَمَا جري هَذَا المجرى وَقد تقدم الْوَجْه فِي جَوَاز وُرُود السّمع بِمثل هَذَا وَلَا يجوز الْقطع على خلوه عَن الْحِكْمَة لجَوَاز فهم الْبَعْض لَهُ وَلَو رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَحده أَو لجَوَاز أَن تكون الْحِكْمَة فِيهِ غير فهم مَعْنَاهُ وَلعدم الدَّلِيل الْقَاطِع على أَنا مخاطبون بِهَذَا الْجِنْس

النَّوْع الثَّانِي من الْمُتَشَابه مَا كَانَ لَهُ ظَاهر يسْبق إِلَى افهام أهل اللُّغَة وَلَكِن خفيت الْحِكْمَة فِيهِ على الْعُقُول مثل عدم الْعَفو عَن الْمُشْركين فِي الْآخِرَة وَعَمن شَاءَ الله من المذنبين مَعَ أَن الْعَفو أرجح وَأحب إِلَى الله تَعَالَى فِي جَمِيع كتبه وشرائعه وَأَحْكَامه وأوامره فَهَذَا نؤمن بِظَاهِرِهِ وَلَا نقُول أَن ظَاهره بَاطِل بل نقُول أَن الْحِكْمَة فِيهِ خُفْيَة وَلَو أَنا علمناها لعرفنا حسنه بل نقطع أَنا أَجْهَل من أَن نعلم جَمِيع حكم الله فِي جَمِيع أَحْكَامه وَلَو علمنَا الله تَعَالَى نصف مَا يُعلمهُ لجَاز أَن تكون الْحِكْمَة فِي هَذَا النّصْف الَّذِي لم يعلمناه كَيفَ وَقد صَحَّ أَن جَمِيع علم الْخَلَائق فِي علم الله مثل مَا يَأْخُذهُ الطَّائِر بمنقاره من الْبَحْر الْأَعْظَم

وَأما الْمجَاز الْمَعْلُوم أَنه مجَاز مثل {واخفض لَهما جنَاح الذل من الرَّحْمَة} {فَإِنَّهَا لَا تعمى الْأَبْصَار وَلَكِن تعمى الْقُلُوب الَّتِي فِي الصُّدُور} فَلَيْسَ من الْمُتَشَابه فان هَذَا يعرف مَعْنَاهُ جَمِيع أجلاف الْعَرَب وَلَا يَصح دُخُول اللّبْس وَالِاخْتِلَاف فِي مَعْنَاهُ وَلذَلِك لم يقل بِنَفْي عمى الابصار لِأَن معنى الْآيَة نفي عمي الْقُلُوب عَن الابصار وَأَن عمي الْقُلُوب هُوَ الْحَقِيقِيّ الْعَظِيم الْمضرَّة والابصار لَا تعمى عَنهُ إِنَّمَا تعمى الْقُلُوب وَكَذَلِكَ الْأَمر بخفض جنَاح الذل مَعْلُوم أَن المُرَاد بِهِ الخضوع للْوَالِدين واللطف بهما وَنَحْو ذَلِك وَكَذَلِكَ كلما وضحت فِيهِ احدى الْقَرَائِن المجازية الثَّلَاث

طور بواسطة نورين ميديا © 2015