ثانيًا:
إن كتاب ابن إسحاق الأصلي الذي اختصره ابن هشام كان يحتوي عل أخبار ما كان يرضى عنها العباسيون؛ بل كانوا يستاءون منها، مثل مشاركة جدهم العباس بن عبد المطلب في معركة بدر في صفوف المشركين ضد النبي -صلى الله عليه وسلم- ووقوعه في الأسر، وفداؤه نفسه بقدر كبير من المال، ورغم ما روي من أن الرسول -صلى الله عليه وسلم- قال عن العباس إنه خرج مكرهًا، بل نهى عن قتله -إلا أن العباسيين كانوا يستاءون جدًّا من تلك القصة- التي ذكرها ابن إسحاق في كتابه الأصلي -ونحن عرفنا ذلك من رواية العلماء الذين أخذوا عن الأصل -مثل الطبري- ولذلك حذفها ابن هشام عند تلخيصه لسيرة ابن إسحاق إرضاءً للعباسيين، وتحاشى ذكرها في كتاباته كل من محمد بن عمر الواقدي، وكاتبه محمد بن سعد لنفس السبب؛ وهو كراهية العباسيين لذكرها.
لذلك لو كان ابن إسحاق قد ألف كتابه بأمر أبي جعفر المنصور لكان من المستبعد أن يذكر هذه القصة، وهو يعلم أن الخليفة يستاء من ذكرها. لذلك نرجح أن أصول الكتاب وضعت في المدينة.