مطاع من ناحيته وزاهد قد تخلى لنفسه وتخلى لعباده ربه.
قال: فحضرت العابد الوفاة فاجتمع عنده أخواه فقال لهما: إذا مت فغسلاني وكفناني وادفناني على نشز من الأرض واكتبا على قبري:
وكيف يلذ العيش من هو عالم ... بأن إله الخلق لا بد سائله
فيأخذ منه مظلمة لعباده ... ويجزيه بالخير الذي هو فاعله
فإذا أنتما فعلتما ذلك فأتياني كل يوم لعلكما أن تتعظا.
قال: ففعلا ذلك فكان أخوه يركب في جنده حتى يقف على القبر فيقرأ ما عليه ويبكي فلما كان اليوم الثالث وأراد أن ينصرف سمع هدة من داخل القبر كان أن ينصدع لها قبله فانصرف مذعورا فزعا فلما كان من الليل رأى أخاه في منامه فقال له: أي أخي ما الذي سمعت من قبرك؟ قال: تلك هدة المقمعة قيل لي: رأيت مظلوما فلم تنصره فأصبح مهموما فدعى أخاه وخاصته وقال: ما أرى أراد بما أوصى أن يكتب على قبره غيري وإني أشهدكم أن لا أقيم بين ظهرانيكم أبدا.
قال: فترك الإمارة ولزم الكتابة وكتب إلى الملك بن مروان في ذلك فكتب أن خلوه وما أراد فحضرته الوفاة وهو جبل مع بعض الرعاة فبلغ أخاه فأتاه فقال له: إذا مت فادفني إلى جنب أخي واكتب على قبري:
وكيف يلذ من كان موقنا ... بأن المنايا بغتة ستعاجله
فتسلبه ملكا عظيما ... وتسكنه البيت الذي هو أهله
ثم تعاهدني ثلاثة بعد موتي وادع الله لي لعل الله أن يرحمني ومات ففعل به أخوه ذلك فلما كان في اليوم الثالث وأراد أن ينصرف سمع وجبة في قبره كاد أن يذهل عقله فرجع حزينا قلقا فلما كان في الليل إذا بأخيه في منامه قد أتاه قال: قلت له: أي أخي أتيتنا زائرا قال: يا أخي هيهات بعد المزار فلا مزار وأطمأنت بنا الدار قلت: يا أخي كيف أنت؟ قال: بخير ما أجمع التوبة لكل خير.
قال: فكيف أخي؟ قال: ذلك مع الأئمة الأبرار قلت: وما أمرنا وراءكم قال: من قدم شيئا وجده فاغتنم وجدك قبل موتك.