تناجيك أجداث وهن سكوت ... وساكنها تحت التراب خفوت
يا جامع الدنيا لغير بلاغه ... لمن تجمع الدنيا وأنت تموت؟
قال وأنشدني من قوله:
أما ترى الموت ما ينفك مختطفا ... من كل ناحية نفسا ينجو بها
قد بغضت أملا كانت تؤمله ... وقام في الحي ناعيها وباكيها
وأسكنوا الترب تبلى فيه أعظمهم ... بعد النضرة ثم الله يحييها
وصار ما جمعوا فيها وما ادخروا ... بين الأقارب يحويه أدابيها
فاختر لنفسك من أيام مدتها ... واستغفر الله لما أسلفته فيها
ولما انصرف الناس من جنازة داود الطائي رحمه الله أنشد ابن السماك رحمه الله:
انصرف الناس إلى دورهم ... وغودر الميت في رمسه
مرتهن النفس بأعماله ... لا يرتجي الإطلاق من حبسه
لنفسه صالح أعماله ... وما سواها فعلى نفسه
قف بالمقابر وانظر إن وقفت بها ... لله درك ماذا تستر الحفر
ففيهم لك يا مغرور موعظة ... وفيهم لك يا مغتر معتبر
قال أبو العتاهية:
رويدك ياذا القصر في شرفاته ... فإنه عنه تستحب وتدعج
ولا بد من بيت انقطاع ووحشة ... وإن غرك البيت الأنيق المبهج
وقال بعضهم:
كم ببطن الأرض ثاو من وزير وأمير ... وصغير الشأن وعبد خامد الذكر حقير
شملت قبور القوم في يوم قصير ... ولم تعرف غنيا من فقير
وقال بعضهم:
تقدمين تزودا قريبا من فعالك ... إنما قرين الفتى في القبر ما كان يفعل
إن كنت مشغولا بشيء فلا يكن ... بغير الذي يرضي الله تشتغل
ما صاحب الإنسان من بعد موته ... إلى قبره إلا الذي كان يعمل
إنما الإنسان ضيف لأهله ... يقيم قليلا عندهم ثم يرحل
تم الكتاب بحمد الله، وحسن توفيقه، في خامس عشر شهر ربيع الآخر، سنة أحدى وخمسين وثمان مائة، على يد العبد الفقير إلى الله تعالى، أحمد بن محمد، الشهير بابن القطعة الحنفي، غفر الله له ولجميع المسلمين، والحمد لله رب العالمين وصلى الله على سيدنا محمد، وآله وصحبه أجمعين وحسبنا الله ونعم الوكيل.