وأهمية هذا التصور أن حركات الإصلاح، والتجديد التي تفرزها التربية الإسلامية المنشودة سوف لا تقف إلى جانب فريق من بني الإنسان ضد الفريق الآخر، وإنما سوف تعمل على إنقاذ جميع الفرقاء من مضاعفات مرض الانقطاع عن الله، والإسراف في حب الدنيا. فهذا المرض الذي ضربت مضاعفاته ميادين الحياة -خاصة الميادين الاجتماعية والاقتصادية- فأصابت "المترفين" الرأسماليين بسرطان "الطغيان" حين أبطرتهم القوة والثروة، فتخطوا حدود الوسطية، وقوضوا التوازن في الاجتماع الإنساني، وتحولوا إلى مترفين متسلطين سلبوا الآخرين حقوقهم في الحرية والعيش الكريم، وسلبوا أنفسهم محبة الله والناس من حولهم، وأحاطوها ببيئات الحقد ومجتمعات الكراهية وفقدان الأمن.

كذلك أصاب المرض المذكور العمال "المستضعفين" بسرطان "الهوان" حين أيأسهم فقدان القوة، والثروة والعدل فتحولوا إلى كافرين بالخير معادين للدين والأخلاق والإنسان.

ووضوح هذا التصور لإنسان التربية الإسلامية المنشودة يجعل هدف -إخراج الأمة المسلمة- أن تكون المرشد الأعظم Supreme Guide، وليس القوة العظمى Super Power، وهذا هو المنصب الذي ترمز إليه -قصة ذي القرنين- في سورة الكهف من القرآن الكريم: فإذا توجهت -الأمة المسلمة- شرفا ووجدت شعوبا معرضة لهجمات همجية يأجوجية ومأجوجية، فإنها لا تستغل ضعف هذه الشعوب، ولا تجعل منها سوقا دولية للسلاح. وإذا توجهت غربا ووجدت شعوبا جاهلة متخلفة، فإنها لا تستغل جهلها وتخلفها لابتزاز ثرواتها ومصادر عيشها، وإنما تدافع عن المعتدي عليه، وتأخذ بيد الجاهل المتخلف قائلة لكلا الطرفين إذا عرضوا عليها أجرا: "ما مكنني به الله خير!! ".

وهذا النموذج لـ"الأمة المسلمة" عامل رئيس في تحديد صورة -المثل الأعلى الجديد- الذي يجب أن تطرحه مؤسسات التربية الإسلامية للعالم

طور بواسطة نورين ميديا © 2015