وهذا مرض أفقد هذه المجتمعات المناعة السياسية، وهيأها للانهيار والتمزق أمام التحديات الخارجية، وأفرز مضاعفات خطيرة في القيم وشبكة العلاقات الاجتماعية.
ومحور هذه الأمة كامن في التصور الخاطئ لـ"مفهوم الأمة" و"المثل الأعلى" الذي يجسد هذا المفهوم في واقع الحياة، ويبقى إنسان تلك الأقطار حبيس الولاء للعصبيات الضيقة، وينتهي بنظم التربية، ومؤسساتها إلى إخراج إنسان عاجز عن التكيف مع الخلق الجديد والتطور، وعاجز عن دخول عصر العالمية الذي جاءت الرسالة الإسلامية لتسهل للبشرية تخطي أعتابه، وعبور مسالكه والسعي في مناكبه.
والسبب الرئيس في هذه الأزمة هو -أيضًا- الانشقاق بين أدوات المعرفة الثلاثة -أي الوحي والعقل والحواس- مع اختلاف مظهر الانشقاق. إذ إن قيود العصبيات الدموية الضيقة تحول دون توفر الحرية -أو أوكسجين القدرات العقلية- ولذلك لا تنمو هذه القدرات ولا تنضج وظيفة العقل، فيظل إنسان تلك المناطق -خاصة الإنسان المسلم- عاجزا عن الانتفاع ببصائر الوحي المخزونة في الأسفار التي يحملها، ويتباهى بوراثتها عن آبائه، ويريد من الآخرين -بناء على هذا الإرث- أن يعترفوا له بدور "السادن" الذي يتلقى الجوائز وطقوس التبجيل.
فالأزمتان مختلفتان، ولكنهما متعادلتا التأثير والمصير. وسوف تنتهي كل منهما بمجتمعاتها إلى الانهيار: انهيار الأولى من الداخل، وانهيار الثانية أمام تحديات الخارج.
والخروج من هاتين الأزمتين يتطلب "فقها تربويا جديدا" يتخطى أصول الفقه التقليدية الشائعة بين الفريقين من مجتمعات العالم، ويبتكر أصولا جديدة -أو ما يسمى بالإنكليزية New Paradigms- كما يتطلب مربين جددا قادرين على النظر في المصادر الأصلية للتربية الإسلامية، وبناء نظم تربوية جديدة، وإقامة مؤسسات تربوية مجددة تتكامل فيها أدوات