الكبرى" في أرض ما حول الأقصى، والمسجد الحرام التي أراداها الله قاعدة للأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر والإيمان بالله، والتي خطط حدودها إبراهيم عليه السلام واكتملت وظيفتها في انطلاقة محمد -صلى الله عليه وسلم- وخلفائه كما مر في فصل سابق.
فإذا اكتمل إخراج هذه "الأمة المسلمة الكبرى"، أصبح فرضا على "الأمم المسلمة الصغرى" الموقوتة أن تهاجر هجرتها الحسية إلى أرض "الأمة المسلمة الكبرى"، لتتلاحم وتتوالى وتتظافر لاستئناف حمل رسالة الإسلام إلى العالم كله.
والتوصية السادسة، بلورة مفهوم "رسالة إسلامية عالمية" تتصدى للأزمتين المستعصيتين في مجتمعات العالم المعاصر كله.
والأزمة الأولى -أزمة اجتماعية- تتمثل في فقدان المناعة الاجتماعية -أو انتشار "الإيذر الاجتماعي" في الأقطار غير الإسلامية- خاصة الأقطار الغربية المتقدمة علميا وتكنولوجيا. ولقد قوض هذا المرض أسس الحياة الاجتماعية في الأقطار المذكورة، وهيأها للانهيار من داخل. ومحور هذه الأزمة كامن في التصور الخاطئ عن "هوية الإنسان" و"موقعه في الوجود" و"المثل الأعلى" الذي يجسد هذا التصور في واقع الحياة.
والسبب الرئيس في هذه الأزمة هو الانشقاق بين أدوات المعرفة الثلاث: بين الوحي من ناحية والعقل، والحواس من ناحية أخرى. إذ إن غياب بصائر الوحي الصحيح عن ثقافة هذه المجتمعات يدفع "العقل والحواس" إلى استعمال "وسائل الحياة"، التي يكتشفها العقل وتطورها الحواس، استعمالا جاهلا بـ"أهداف الحياة وغاياتها"، وينتهي بنظم التربية ومؤسساتها إلى إخراج إنسان يبدد قدراته العقلية، والنفسية والجسدية في خدمة "مثل سوء" و"هوية" حيوانية و"ثقافة" خاطئة.
والأزمة الثانية -أزمة سياسية- يجسدها مرض -الإيذر السياسي- المستشري في أقطار العالم الثالث -خاصة الأقطار الإسلامية والعربية.