وقد يبقى في الأمة أفراد وجماعات تدور في فلك "أفكار" الرسالة، ولكن دورانهم هذا يعضهم في "غربة" عمن حولهم ولا يخرجون في كل تفاعل اجتماعي إلا بالخبرات السلبية، ومشاعر الإحباط والأسى والعدمية.

وفي هذا الطور تتعدد -محاور الولاء- تبعا لتعدد الأقوام المكونة لأمة الرسالة بدل الولاء للأمة الواحدة، وتنشأ عن ذلك مضاعفات مرضية في الخبرات الاجتماعية والكونية، ومستوى القدرات العقلية المتفاعلة في الأمة تتمثل فيما يلي:

أ- مضاعفات المرض في مستوى الخبرات الاجتماعية والكونية:

ينحسر مستوى التفاعل مع الخبرات الاجتماعية، والكونية في هذا الطور تبعا لانحساب "المثل الأعلى". ويكون التجسيد العملي لهذا الانحسار في ميدان التربية والعلم، فتتغير فلسفة التربية وأهدافها، إذ "يقرأ" إنسان التربية في هذا الطور "باسم قومه" أي لرفعتهم، وتمكينهم من الهيمنة والتملك. وهذا التحول في فلسفة المعرفة يؤدي إلى حلول "الفقه العرفي" محل "الفقه السنني". والفرق بين النوعين من الفقه هو أن الفقه السنني "يستبصر" بآيات الوحي لـ"يقرأ" سنن الاجتماع الإنساني، وقوانين الخلق في الآفاق والأنفس. أما "الفقه العرفي" فهو يئول آيات الكتاب في ضوء "أعراف" القوم، وخبراتهم الثقافية المتراكمة عبر العصور.

و"الجماعة" في مفهوم الفقه السنني هي التي تجتمع على الحق وإن قلت. ولهذا أجاب الإمام علي بن أبي طالب من سأله عن معنى -الجماعة- فقال: " ... والجماعة -والله- مجامعة أهل الحق وإن قلوا. والفرقة مجامعة أهل الباطل وإن كثروا"1.

أما في الفقه العرفي فالجماعة هي الأغلبية التي يتم "قياس" الحق طبقا لمحصلة رغباتها.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015