والفقه السنني يعالج سلوك الإنسان، ونشاطات المجتمعات عبر مراحل الرحلة الإنسانية أي مراحل النشأة والحياة، والمصير باعتبارها كلها وحدة واحدة لا تتجزأ. أما الفقه العرفي فهو يجزئ الظاهرة الإنسانية فيجعل هناك "فقه للحياة" كما تودها إرادات -الأقوام- و"فقه" لغيبيات "النشأة والمصير" دون مرور في محطة الحياة.
وحلول "الفقه العرفي" محل "الفقه السنني" يفضي إلى مضاعفات خطيرة أهمها:
1- هبوط مستوى المعرفة وضيق دائرتها، إذ تهبط المعرفة من دائرة الأفكار إلى دائرة الأشخاص، ومن اكتشاف الحقائق الجديدة إلى ترديد معارف السلف السابقين، وتضيق من الدائرة الإنسانية التي تعالج قضايا الإنسان أنى، وأين كان إلى الدائرة القومية التي تسجن المعرفة داخل الحدود العرقية والتاريخية.
2- ينمو فقه "المظهر الشعائري" للعبادة، وينحسر فقه "المظهر الاجتماعي"؛ لأن إرادة الجالسين في مراكز القوة والجاه في كل "قوم" تتطلع للبقاء طليقة من أي فقه يقيدها في التصرف بشئون الحياة والاجتماع. وانحسار فقه "المظهر الاجتماعي" للعبادة ينعكس على كل من فقه "المظهر الديني" وفقه "المظهر الكوني". فبدل أن يكون فقه المظهر الديني نصرة للعدل الدنيوي يتحول إلى مخدر يشيع الرضى بالظلم، والقهر انتظارا للعدل الأخروي. وبدل أن يكون فقه المظهر الكوني بحثا عن آيات الله في الآفاق، والأنفس يصبح تطويرا لوسائل "دع أيتام الإنسانية" أي قهرهم والتسلط عليهم. وبدل أن يكون "تسخيرا" للمخلوقات لخدمة الإنسان يصبح "تسخيرا" للإنسان، والمخلوقات سوء لإرادات أصحاب القوم والنفوذ. ونتيجة لذلك يقع الانشقاق بين "أهداف الحياة" التي توفرها العلوم الدينية، وبين "الوسائل" التي توفرها العلوم الطبيعية.
وتنقسم العملية التربوية إلى قسمين: تربية تشتغل بأهداف لا وسائل لها،
وتربية تشتغل بوسائل لا