وأما عن الأزمة الثانية، فقد تحولت -الجنسية- المحلية إلى قيد خانق لحرية الفرد في التعبير والاختيار في الداخل، وحريته في التنقل والعمل والإقامة في الخارج.

ففي الداخل قامت علاقات "الجنسيات" المستمدة من العصبيات العائلية والإقليمية، والقومية على أساس هيمنة عصبية معينة على بقية العصبيات والاستئثار بالجاه، والتملك مما تسبب في ظهور علاقات الريبة، وعدم الثقة والخوف والتآمر وقيام المؤسسات البوليسية، ودوائر التجسس والمخابرات لتقصي نشاطات خصوم العصبيات الحاكمة ومجابهتها.

وفي الخارج اشتعلت الصراعات الدولية، وقامت علاقات الدول على المخادعة والتجسس، والتآمر ثم الانتهاء إلى الصراع المكشوف والانفجارات العسكرية المدمرة.

وفي المجال الاقتصادي أشاعت "الجنسيات" المستمدة من العصبيات العائلية والإقليمية والقومية، الاحتكار والترف في ناحية والحرمان، والفقر في ناحية أخرى. وتسبيت بظواهر الاستعمار والعدوان، ونهب ثروات الشعوب في الوقت الذي تضع الدول المستعمرة -بكسر الميم- الحواجز والعراقيل وقوانين السفر، والإقامة التي تمنع أصحاب "الجنسيات" المستعمرة -بفتح الميم- والمغايرة من المساواة في فرص الإقامة، ومصادر العيش الكريم.

لهذا كله صارت المجتمعات المعاصرة بحاجة إلى مفهوم جديد في "الجنسية"، مفهوم لا تتحكم به عصبيات عرقية، أو إقليمية أو مصالح مادية. ومن الإنصاف أن نقول: أن شعوب أوربا وأمريكا قد نزعت عن "الجنسيات" فيها قيود السفر، والعمل والإقامة وأحالتها إلى مجرد أدوات لـ"التعارف" تماما كما يوجه إليه قوله تعالى: {وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا} [الحجرات: 13] ، بينما يستمر "فقهاء الملوك والرؤساء" يسهمون في تعزيز سجون "الجنسيات" العصبية وقيودها، ومضاعفاتها التي أدت إلى وفاة الأم الإسلامية ومزقتها في الأرض كل ممزق.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015