فأفرز ظاهرتين فريدتين: الأولى، تزويد الإنسان بأدوات فاعلة يمكن استعمالها للدفاع عن الإنسان وبناء حياته، أو لفناء الإنسان، وتدمير مقومات حياته. وافيمان بالله هوالعامل الحاسم في أحد الاستعمالين. والظاهرة الثانية، هي انهيار الحدود بين الأقطار والقوميات والثقافات، وتفتت القبائل والعائلات، ووهنت روابط الدم والإقليم إلا في أماكن معزولة، ومواقف هشة متسارعة الانهيار والانحسار، ودخلت المجتمعات البشرية في طور جديد تتميز الحياة فيه بالإقامة الموقوتة والجوار الموقوت، وانقلب التجانس الثقافي إلى "خلطة" مضطربة من الثقافات والتقاليد، والعادات والقيم في المدينة الواحدة، وأحيانا في البناية الواحدة، مما ساعد على تمزق الروابط القائمة، وتنافر الأذواق والتوتر في العلاقات في المواقف المختلفة، ووجد الإنسان المعاصر نفسه يعيش في تجمعات، وأكوام بشرية مجردة من الروابط والانتماءات، إلا ما كان من روابط المصالح المتذبذبة والشهوات الآنية الموقوتة.
ولقد أفرزت هذه التغيرات المضطربة أزمات ثلاث: الأولى، عدم ملاءمة "الهوية" الشائعة عن الإنسان. والثانية، عدم ملاءمة "الجنسية" المحلية التقليدية. والثالثة، انهيار نظم "الثقافة والقيم" المحلية القديمة.
أما عن الأزمة الأولى، فإن "الهوية" التي طرحتها -وما زالت تطرحها- الدارونية الاجتماعية للإنسان، والقائمة على أن البقاء للأقوى، قد بررت عمليات القتل والجريمة سواء بين الفراد، والطبقات داخل كل مجتمع أو بين المجتمعات والمجتمعات الأخرى. ولا تقتصر مضاعفات هذه "الهوية" على شعوب العالم الثالث المتخلف تكنولوجيا، وإنما تشمل العالم المتقدم تكنولوجيا الذي يتفوق في أدوات القتل والدمار. فالأفراد "الأمريكيون والأروبيون" الذين يحاربون "الآسيويين والأفارقة" في جيوش تستولي على مصادر الثروة، والطاقة هم أنفسهم الذين يعودون إلى بلادهم ليقتل بعضهم بعضا من أجل ما في جيوبهم من جنيهات ودولارات.