وأما عن الأزمة الثانية، أي انهيار نظم "الثقافة والقيم" المحلية القديمة فقد صار الإنسان المعاصر يعاني مما يسميه علماء الاجتماع، وعلماء النفس الإحباط وخيبة الأمل Frusttration والإحساس بالاغتراب صلى الله عليه وسلمlienation والشعور بالضعف Powerlessness والمعاناة من عدم الانسجام، ومظاهر الشذوذ في الحياة والسلوك Normlessness.

ولقد حل محل القيم المحلية المنهارة قيم جديدة يمكن أن نسميها -قيم المصلحة- وهي قيم تشبه مناديل الورق التي يستعملها الإنسان للحظات أو دقائق، ثم يلقي بها في سلة النفايات وبراميل القاذورات. لذلك أصبح المجتمع المعاصر يعاني من مظاهر التفكك، والانحلال واللامبالاة وانهيار الصداقات والعلاقات دون أن يحسب الناس لبعضهم بعضا كبير حساب. لهذا كله صارت المجتمعات المعاصرة بحاجة إلى مفهوم جديد في "الثقافة والقيم" التي توفر للإنسان حاجاته في الانتماء، والتقدير أينما حل وأقام، وتوفر الأمن والاستقرار أينما سافر وعمل.

ولكن الحلول التي يطرحها المختصون لأزمة "الثقافة والقيم" ما زالت حلولًا متخلفة قاصرة، بل إن بعضها ليزيد الطين بلات والويل ويلات. ومثال ذلك ما يقترحه -ألفن توفلر صلى الله عليه وسلمlvin Toffier أحد مشاهير المفكرين المستقبليين Futurists في كتبه المختلفة مثل كتاب -صدمة المستقبل Future Shock الذي طبع في سنة واحدة تسع طبقات بلغ عددها 27 مليون نسخة، كما ترجم إلى عدة لغات، وما زال يطبع ويترجم بنفس الكثافة والانتشار.

لقد عالج -توفلر- التغيرات الكاسحة التي تحدثها التكنولوجيا في شبكة العلاقات الاجتماعية على المستويات المحلية والعالمية، واجتهد أن يضع شبكة علاقات جديدة لمجتمعات المستقبل. ولقد كان في تشخيصه دقيقًا عميق الحس، فهو مثلا يذكر أن التكنولوجيا الحديثة حولت المجتمعات الحديثة إلى من أسماهم -البدو الجدد The New Nomads- الذين يركبون الطائرات بدل الجمال، وينزلون في المطارات بدل المضارب،

طور بواسطة نورين ميديا © 2015