...
ثانيا: أهمية "الهوية" و"الجنسية" و"الثقافة" الإيمانية في العالم المعاصر:
في الماضي أدت نظريات "هوية" الإنسان مثل "الدارونية الاجتماعية" و"التقسيمات العرقية" و"الأديان القائلة بطبقية الخلق" إلى ظهور سياسات الصراع والبقاء للأقوى، والغزو، والاستعمار، وظهور ممارسات التسلط الطبقي، وعدم المساواة، والرق، والاستئثار بمصادر العيش. وجميع هذه التطبيقات ما زالت تهيمن على السلوك البشري، والعلاقات بين الأفراد والجماعات والشعوب وتملأ حياتهم بالقلق والاضطراب، والشقاء والمآسي.
كذلك أدت صعوبة المواصلات، وقصر مسافات السفر وضيق دائرة الحركة -في الماضي- إلى ظهور الحدود الإقليمية والقومية. فكان الإنسان لا يتحرك في الغالب إلا داخل حدود الإقليم، وكان الفرد يجد في المجتمع القائم على انتماءات الدم، والعصبيات القبلية والإقليمية، والقومية ما يشبع حاجته في الانتماء. ولذلك كانت هذه الانتماءات هي المصادر الوحيدة لتحديد "الجنسية" وبلورة "الثقافة". كانت الإقامة الدائمة والتواصل الدائم يوفران نوعا من القيم المحلية التي يمكن أن نسميها "قيم المصانعة"، وهي قيم تقوم على خجل الناس بعضهم من بعض، ومراعاة شئون بعضهم بعضًا، والتردد عن الإساءة لبعضهم بعضا، فإذا اشتدت الخلافات، وانفجرت الخصومات كان للقيم المذكورة دورها في إصلاح العلاقات وترميمها. وهكذا تطور نوع من الثقافة والعادات، والتقاليد التي تسهم في انسجام الأذواق محليا، وبذر بذور الخلاف عالميا.
ثم جاء العصر الحاضر -عصر التكنولوجيا، وقرية الكرية الأرضية-