والأهمية الرابعة، لمفهوم "الأمة" الذي تطرحه التربية الإسلامية هي أهمية كبرى بالنسبة للتربية الحديثة، وللعاملين في ميادين التطوير التربوي في المجالين الإقليمي والدولي. والغفلة عن هذه الأهمية سوف تكون هدرا كبيرا لمصدر أساسي من مصادر -التربية الدولية Global صلى الله عليه وسلمducation- التي تتطلع المؤسسات التربوية العالمية إلى بنائها وإشاعتها. ذلك إن مفهوم "الأمة" يلائم المرحلة الجديدة التي وقفت البشرية على أبوابها ببعثة محمد -صلى الله عليه وسلم- ثم أصبحت معالم هذه المرحلة واضحة جلية في زمننا -زمن سرعة المواصلات والاتصال، والتكنولوجيا- حيث انهارت مفاهيم "القوم People" و"الشعب Nation"، وأخذت الحدود بين المواطن تتهدم، والروابط الدموية تتمزق، واختلطت البشرية اختلاطا شديدا من خلال الأسفار العالمية، والتجارة العالمية، والتبادل الثقافي العالمي، والزواج العالمي، ووجدت المجتمعات الحديثة نفسها بلا روابط دموية، ولا روابط جغرافية، ولا روابط ثقافية واجتماعية. بل إنه لتعاد خلخلة المجتمع الواحد، والمدينة الواحدة، والحي الواحد، والمؤسسة الواحدة، والبناية الواحدة ثم تشكيل كل منها مرة كل يوم، أو كل أسبوع من حيث الجنسيات والتجمعات البشرية حيث يرحل أناس ويحل آخرون.
في هذه الظروف الجديدة يجد الإنسان نفسه بحاجة إلى "أخوة" جديدة بدل أخوة الأسر، والقبائل والأقوام التي تمزقت، وتناثر أعضاؤها في أطراف الأرض، وإلى بديل عن الروابط التقليدية التي تعود إلى أطوار الرعي والاستقرار الزراعي عندما كانت التحركات، والعلاقات محدودة بحدود القوم والإقليم.
ومن الطبيعي أن انتهاء فاعلية الروابط التقليدية أدى إلى انتهاء فاعلية القيم، والمقاييس والأخلاق التي انبثقت عن هذه الروابط، ووضع البشرية أمام نوعين من الروابط والقيم والمقاييس لا ثالث لهما: فإما العودة إلى علاقات الغابة وطور الكهوف، وإما روابط "الأمة" الواحدة التي تعيش في