أما عن الجانب السلبي، فإن قيم العصبية العربية ومحاور الولاء التي تفرزها لم تكن تصلح بحال للانتقال مع المسلم الجديد إلى المجتمع العالمي الجديد؛ لأن هذه القيم والولاءات لا تسمح أبدًا بتوسيع شبكة العلاقات الاجتماعية إلى ما وراء دائرة الولاء القبلي، وتعتبر أولئك الذين يقيمون خارج الدائرة القبلية "أجانب" لا وراء يربطهم بمجتمع القبيلة. ولذلك شكلت هذه القيم، والولاءات العصبية عقبات ضخمة أمام تطبيق روابط الدائرة العالمية، التي اتصف بها المجتمع الإسلامي الجديد، وأثرت تأثيرا سلبيًّا في مستقبل الأمة المسلمة، وحالت دون تطورها ونضج مؤسساتها. وحين كانت قيم العصبية القبلية هذه تضطر إلى التعايش مع قيم الإسلام العالمية كانت تركز على "الأشكال" دون "الأعمال"، وعلى الشعائر الفردية دون المظهر الاجتماعي للعبادة، و"تنفق" القيم الإسلامية لدعم ولاءاتها العصبية. ولذلك وصف القرآن الكريم أصحاب هذه القيم العصبية بأنه: {أَشَدُّ كُفْرًا وَنِفَاقًا وَأَجْدَرُ أَلّا يَعْلَمُوا حُدُودَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ} ، أي هم غير مؤهلين لـ"فقه" القيم التي أنزلها الله، وإفراز النظم اللازمة للطور العالمي الذي وقفت البشرية على أعتابه، وجاءت قيم الإسلام لترشدهم إلى عبوره.
ولذلك كان التحدي الأكبر الذي واجهه الرسول -صلى الله عليه وسلم- بعد هجرته إلى المدينة، وشروعه في بناء أمة عالمية يتعايش فيها مختلف الأجناس، والأعراق هو -قيم العصبية القبلية- ولقد اتخذت جهوده لمجابهة هذا التحدي مظاهر عدة منها:
المظهر الأول، هو تزكية أعضاء الأمة المسلمة الجديدة من قيم العصبية القبلية باعتبارها قيما نتنة بالية لا تصلح لهم بحال، وتنظيم علاقاتهم طبقا لقيم التقوى الملائمة لطور العالمية الجديد.
والثاني، هو الجهاد ضد رءوس العصبية القبلية، وحماة ثقافتها ورموزها الصنمية.