آثار البيئة الرومانية فعلها في -النصرانية. وأخطر هذه الآثار ما قام به مترفو المجتمعات الرومانية من تحويل محور الدعوة الجديدة من الولاء لـ"الرسالة" إلى الولاء لـ"شخص" الذي جاء بالرسالة بعد أن أسبغوا عليه الصفات التي كان الرومان يسبغونها على آلهتهم التثليثية، وبذلك أخرجوا الدعوة الجديدة من ميدان الاجتماع البشري ميدان الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، إلى هامش تصورات غيبية لا صلة لها بالوجود القائم.
أما الفرع الثاني من أسرة إبراهيم -فرع إسماعيل- فقد عملت بهم أيضا عوامل البيئة المحلية القاحلة، فتحولوا من "أمة رسالة وتربية" تضحي بالنفس والمال لتربية الوافدين، وتزكيتهم إلى "أمة سدنة" حولت الرسالة إلى نوع من الاستثمار السياحي الذي يدر عليهم المال، ويوفر لهم الجاه.
ثم كانت الانطلاقة العملية الثانية التي قادها محمد -صلى الله عليه وسلم- في الفرع الثاني من أسرة إبراهيم، والمقيمة في منطقة المسجد الحرام. فبلورت مفهوم "الأمة"، وأصبح الشعار المميز لرسالتها، ولما يزل مصطلحا متميزا لا يقابله في اللغات الأخرى مصطلح مواز. كذلك أصبح اسم "الأمة" مصدرا اشتقت منه أسماء مؤسسات الرسالة الجديدة، والعاملين فيها والممارسات الجارية مثل: "الإمامة" و"الإمام" للصلاة أو الحكم، و"آمين البيت الحرام" أي الحج. و"آمين" أي مقتدين. لذلك كانت ترجمة هذا المصطلح تشويها لمحتواه ومن الواجب أن يبقى كما هو في أصله العربي في أية ترجمة كانت.
ولقد كان جوهر هذه الانطلاقة الجديدة تصحيح الاعوجاج الذي لحق بالمنهج الذي مهد له إبراهيم وبدأه موسى وعيسى، ثم استئناف المسيرة المستقيمة لهذا المنهج نحو غاياته العليا. ولذلك ركزت توجيهات الرسالة الجديدة على ما يلي:
1- إصلاح ما انحرف من منهاج إبراهيم عليه السلام. وذلك بدعوة فرع ذرية إسماعيل من قريش، وفروعها إلى التخلص من طابع "أمة السدنة"