والملاحظة الخامسة، إن الأمة الراشدة لا ينال من وحدتها تنوع الشعوب، والقبائل فيها ولا اختلاف الألوان والمهن والأماكن ما دامت هذه التنوعات لا تخرج عن وظيفتها في تسهيل التعارف، وما دامت ولاءاتها تدور في فلك الرسالة وحده، ولا تدور في فلك الأشخاص والأشياء، وما دام يعمل هذا التنوع كما يعمل التنظيم الإداري القائم على الوحدة في الغاية، والتنوع في الاختصاصات والوسائل.
والملاحظة السادسة، إن الأمة كيان صناعي يمكن بناؤه وهدمه. فهي تخرج إخراجا للقيام بوظيفة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. وهذا الإخراج يقتضي منها بذل الجهد، والمقدرات لتطوير المؤسسات التربوية والإدارية للقيام بالدراسة والتخطيط المستمر لإحكام تطوير الأمة، وإخراجها بما تتطلبه وظيفتها حسب حاجات الزمان والمكان. وإلى إخراج هذه المؤسسات كان التوجيه الإلهي، مثل قوله تعالى:
{وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [آل عمران: 104] .
والملاحظة السابعة، إن استمرار الأمة في الحياة مرهون باستمرار حملها للرسالة، وما يتفرع عنها من تطبيقات في مجالات الحياة المختلفة. فإذا ضعفت عن حمل هذه الرسالة، أو توقفت فاعليتها أو تقلصت تطبيقاتها انتهى وجود الأمة وحل محلها أمة أخرى لا علاقة لها بسابقتها، وإن ربطتها بها روابط الدم والأرض واللغة والثقافة، وهذا ما فهمه كبار الصحابة الذين عايشوا بدء الرسالة وتطبيقاتها من قوله تعالى:
{كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ} .
ولقد كان الخليفة عمر حريصا على تأكيد هذا الفهم، والتصور عن الأمة المسلمة حين قال في شرح الآية المذكورة: