ومعناه: الملاحظة الأولى، إن المعنى الاصطلاحي المتكامل لـ"الأمة" يتضمن عناصر أربعة: الأول، العنصر البشري، والثاني، العنصر الفكري. والثالث، العنصر الاجتماعي. والرابع، العنصر الزمني. فالأمة مجموعة من الناس تحمل رسالة حضارية نافعة للإنسانية، وتعيش طبقا لمبادئ هذه الرسالة. وتظل تحمل صفة -الأمة- ما دامت تحمل هذه الصفات. أما حين تفقدها فقد يطلق عليها اسم "الأمة"، ولكنها لن تكون النموذج الإسلامي للأمة تماما، كما يطلق اسم "دين" على أن دين، ولكن الدين المقبول عند الله هو الإسلام.

والملاحظة الثانية، إن العنصر الرئيسي في مفهوم الأمة هو عنصر -الرسالة- أي العطاء الذي تقدمه جماعة من الناس إلى بقية مجموعات الإنسانية ليساعد على بقاء النوع البشري ورقيه.

والملاحظة الثالثة، لا يشترط في العنصر البشري -أو المكون الأول للأمة- الروابط الدموية، أو الجغرافية، ولا الكم العددي. فقد يكون هذا العنصر فردًا واحدًا، وقد يكون فئة أو جماعة أو جيلا، أو أجيالا أو الإنسانية كلها ما دامت تحمل رسالة، ويوحدها فقه شامل لهذه الرسالة وتطبيقات فاعلة تنتج عنها نظم، وتطبيقات حضارية في ميادين الحياة المختلفة تسهم في بقاء النوع البشري ورقيه.

والملاحظة الرابعة، إن الأمة تتدرج في نشأتها، ونموها كتدرج نمو الجسد الإنساني فكما يبدأ الجسد نطفة، ثم علقة ثم يولد طفلا ثم يصبح صبيا، ثم يقوى شابا ثم يبلغ رجلا ثم يعود شيخا، وكما إن الإنسان الكامل هو الذي يبلغ النضج الجسدي والنفسي، والعقلي ويقوم بوظائفه كاملة. فكذلك الأمة تبدأ فردا واحدا، ثم تصير مجموعة صغيرة ثم قوما ثم شعبا حتى تنتهي بالدائرة الإنسانية كلها. والأمة الراشدة هي التي تبلغ درجة الرشد الحضاري والنوعي، وأبرز شارات هذا النضج هو حمل رسالة الدعوة للخير بمعناه الواسع وإشاعته، والنهي عن المنكر بمعناه الواسع ومحاربته.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015