* ولقد كان التَّوسُّع في ذكرِ التَّقديراتِ النَّحويَّةِ التي يحتملها نصُّ القرآنِ مما يقطع منفعةَ هذا العلمِ في بيانِ كلامِ الله. ولو اكتُفيَ بحملهِ على أحسنِ الإعرابِ، وأفصحِ الوجوهِ = لكان، ولكنَّ الواقعَ في كثيرٍ من كُتبِ أعاريبِ القرآن وكتب التفسيرِ وغيرِها مما يحوي جملةً منه، أنها ابتعدتْ عن هذا إلى ذكرِ المحتملاتِ الإعرابيَّةِ التي تحتملُها المفردةُ والجملةُ القرآنيَّةُ، فصارَ القرآنُ ميدانًا لتطبيقاتِ النَّحويِّينَ وخلافاتِهم، والأمثلةُ على ذلك كثيرةٌ جدًا، وأذكر لك هنا هذا المثال:

* قال الباقوليُّ (ت: 543): «قوله تعالى: {وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَاتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ} [البقرة: 23].

الهاءُ في {مِثْلِهِ} تعودُ على «ما»، وهو القرآنُ؛ أي: فأتوا بسورةٍ مثل القرآنِ (?). فـ «مِنْ»، زيادةٌ على هذا، وهو قول الأخفشِ، ودليلُه في الآيةِ الأخرى: {فَاتُوا بِسُورَةٍ مِثْلِهِ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ} [يونس: 38].

وقولٌ ثانٍ: فأتوا بسورةٍ من مثلِ محمدٍ صلّى الله عليه وسلّم (?)، فتعودُ الهاءُ إلى «عبدنا» من قوله: {عَلَى عَبْدِنَا}، فيكونُ «مِنْ» لابتداءِ الغايةِ؛ أي: ابتدئوا في الإتيان بالسورةِ من مثلِ محمدٍ صلّى الله عليه وسلّم.

فهذان قولانِ قالَهما أصحابُ المعاني (?).

طور بواسطة نورين ميديا © 2015