ومن ثَمَّ، قد تجدُ في أصولِ الفقهِ ما ينطبقُ على جميعِ آياتِ الأحكامِ، لكنَّه لا ينطبقُ على غيرِها من الآياتِ، وهذا الذي لا ينطبقُ على غيرِها من الآياتِ ينبغي أن لا يوجدَ في أصولِ التَّفسيرِ وعلومِ القرآنِ، لعدمِ وجودِ تطبيقاتٍ له، أو لاختلافِ المصطلحاتِ وتطبيقاتِها بين العلمينِ.
ومن هنا وقع الخطأُ من بعضِ من كتبَ في علمِ أصولِ التَّفسيرِ أو علومِ القرآنِ حينَ جعلُوا القواعدَ التي وضعَها علماءُ أصولِ الفقه التي تخصُ آياتِ الأحكامِ منطبقةً على جميعِ الآياتِ القرآنيَّةِ.
ومن الأمثلةِ على ذلكَ أنَّكَ تجدُ أنَّ علماءَ أصولِ الفقه قد قعَّدوا قاعدةً في النَّسخِ، وهي: الأخبارُ لا يجوزُ فيها النَّسخُ.
وإذا رجعتَ إلى المأثورِ عن السَّلفِ، وجدتَ أنَّهم حكموا بالنَّسخ على بعضِ الأخبارِ، فهلْ تُخَطِّئُ الواردَ عن السَّلفِ، أو أنَّ في الأمرِ شيئًا آخر؟
لا شكَّ أنَّ القاعدةَ المذكورةَ صحيحةٌ، ولكن يلزمُ أن تفهم أن مرادَ السَّلفِ بالنَّسخِ أوسع من مرادِ الأصوليِّين، فالسَّلفُ يريدونَ بالنَّسخِ مطلقَ الرَّفعِ، فأيُّ رفعٍ يحصلُ لمعنى الآيةِ من تخصيصٍ أو تقييدٍ أو بيانٍ أو نسخٍ اصطلاحيٍّ، فهو نسخٌ عندهم، وعلى هذا فالأخبارُ يدخلها النَّسخُ؛ أي: التخصيص أو البيان أو التَّقييد أو غيرُها مما يدخلُ الأخبار، وليس المرادُ الإزالةَ التَّامَّةَ التي تكونُ في النَّسخِ الاصطلاحيِّ المتأخّر، وسيأتي بيانُ ذلكَ بأمثلتِه في (كتب النَّاسخِ والمنسوخِ).
وهذا الذي ذكرتُه لك من التَّمثيلِ بأصولِ الفقه وعلومِ القرآن، إنَّما هو مثالٌ تقيسُ عليه تداخلَ المعلوماتِ بين العلومِ الشَّرعيَّةِ، واللهُ أعلمُ.
ومن ثَمَّ، فإنَّك قد تجدُ أصولَ مسائلِ علمٍ من علومِ القرآنِ مستقاةً من كتبِ علمٍ آخرَ، وهذه الأصول المستقاةُ هي من صميمِ بحثِهم، لكنهم